واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد الممتثل لأمر سيده إلا المثوبة دون العقوبة ، ولو لم يكن مستسلما وملتزما به ومعتقدا ومنقادا له ، وإن (١) كان ذلك يوجب تنقيصه وانحطاط درجته لدى سيده ؛ لعدم اتصافه بما يليق أن يتصف العبد به من الاعتقاد بأحكام مولاه والانقياد لها ، وهذا غير استحقاق العقوبة على مخالفته لأمره أو نهيه التزاما مع موافقته عملا ، كما لا يخفى.
ثم لا يذهب عليك (٢) : أنه على تقدير لزوم الموافقة الالتزامية ، لو كان المكلف
______________________________________________________
إليه بقوله : «واستقلال العقل بعدم استحقاق العبد ...» الخ.
(١) كلمة «إن» وصلية ، يعني : «وإن كان ذلك» أي : عدم التسليم والالتزام والانقياد «يوجب تنقيصه وانحطاط درجته» أي : العبد «لدى سيده» المطلع على حاله. هذا ما يظهر من كلام المصنف ؛ ولكن الظاهر من الآيات والروايات هو لزوم الالتزام شرعا.
فمن الآيات : قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ)(١) ، فإن الإيمان بالكتاب عبارة عن الالتزام بأحكامه أصولا وفروعا.
ومن الروايات : ما عن أبي بصير قال : سألت أبا عبد الله عن قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) قال : «الصلاة عليه والتسليم له في كل شيء جاء به» (٢).
ومن المعلوم : أن أحدا لو قال : أنا ملتزم بأحكام النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ولكن أوافقه عملا لم يكن ممن يسلم له «صلىاللهعليهوآلهوسلم» ؛ إلا إن المستفاد من الآيات والروايات : هو لزوم الالتزام بالمعنى الأول أعني التسليم بكل ما جاء به النبي «صلىاللهعليهوآلهوسلم» وهو خارج عن محل الكلام كما عرفت.
(٢) المقصود من هذا الكلام : هو عدم الملازمة بين وجوب الموافقة الالتزامية ـ على تقدير تسليمه ـ وبين وجوب الموافقة العملية وانفكاكهما في بعض الموارد ، كما في دوران الأمر بين المحذورين ، ضرورة : أن الموافقة القطعية العملية غير مقدورة للعبد مع تمكنه من الموافقة الالتزامية فيه ؛ لإمكان الالتزام بما هو حكم الله تعالى في الواقعة ؛ إذ لا يشترط في الموافقة الالتزامية معرفة الحكم الملتزم به بعينه ؛ بل يكفي في تحققها معرفة الحكم ولو إجمالا ، فيعقد القلب عليه ، فلا ملازمة بين الإطاعتين ، فتجب الموافقة
__________________
(١) النساء : ١٣٦.
(٢) بحار الأنوار ٢ : ٢٠٤ / ٨٨ ، عن المحاسن.