ومن هنا ظهر حال شرب الخمر علاجا وتخلصا عن المهلكة ، وأنه إنما يكون مطلوبا على كل حال لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وإلّا فهو على ما هو عليه من الحرمة ، وإن كان العقل يلزمه إرشادا إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه ، لكون الغرض فيه أعظم ، [ف] من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النفس ، أو شرب الخمر ، لئلا يقع في أشد المحذورين منهما ، فيصدق أنه تركهما ، ولو بتركه ما لو فعله لأدّى لا محالة إلى أحدهما ، كسائر الأفعال التوليدية ، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها ، واختيار تركها بعدم العمد إلى الأسباب ، وهذا يكفي في استحقاق العقاب على الشرب للعلاج ، وإن كان لازما عقلا للفرار عما هو أكثر عقوبة.
ولو سلم عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ، ولو على نحو هذه السالبة ، ومن الفعل بواسطة تمكنه مما هو من قبيل الموضوع في هذه السالبة ، فيوقع نفسه بالاختيار في المهلكة ، أو يدخل الدار فيعالج بشرب الخمر ويتخلص بالخروج ، أو يختار ترك الدخول والوقوع فيهما ، لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.
______________________________________________________
الدخول ، عصيان لذلك النهي السابق ومع وقوع الحركة المزبورة عصيانا لا يتعلّق بها الوجوب ، فإنّ الشارع لا يأمر بما نهى عنه ولا بعصيان نهيه.
لا يقال : كيف يكون التصرف فيها بالخروج كالتصرف فيها بالدخول عصيانا مع أنّ التصرف الخروجي فيها مقدمة للواجب وهو ترك الغصب وكونه خارج الدار المغصوبة ، فالمفروض في المقام نظير ما إذا اضطرّ إلى شرب الماء المتنجس حفاظا على نفسه عن الهلاك حتى فيما كان اضطراره إلى شربه بسوء اختياره كما إذا علم قبل دخوله في المكان أنّه يضطرّ إلى شرب الماء المتنجس فيه إذا دخل فيه ، ولو بني على أنّ الحركة الخروجية عصيان للنهي السابق المتعلّق بالدخول فكيف يجب إفراغ