وثانيا : لو سلم ، فالساقط إنما هو الخطاب فعلا بالبعث والإيجاب لا لزوم إتيانه عقلا ، خروجا عن عهدة ما تنجز عليه سابقا ، ضرورة أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشد ونقض الغرض الأهم ، حيث إنه الآن كما كان عليه من الملاك والمحبوبية ، بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا ، وإنما كان سقوط الخطاب لأجل المانع ، وإلزام العقل به لذلك إرشادا كاف ، لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإيجاب له فعلا ، فتدبر جيدا.
______________________________________________________
طلب الحاصل ، والمفروض أنّ الحركة الخروجية والاضطرار إليها بسوء الاختيار ومعه لا ينتفي العقاب عليها وتقع مبغوضا عليها لا محالة.
غاية الأمر يسقط النهي الفعلي عنها لعدم كونه رادعا عنها لاضطراره إلى التصرّف في الدار المغصوبة. ومع إرشاد العقل إلى اختيارها لكونها أقلّ محذورا لا مانع عن أمر الشارع بما يتوقّف عليها أو نهيه عمّا يتوقّف تركه على ارتكابها.
ولا يكون أمره بذلك الواجب إيجابا غيريا للحركة الخروجية ، فإنّ الوجوب الغيري لا يتعلّق بالمنهي عنه من المقدّمة ، هذا أوّلا.
وثانيا : لو سلّم أنّ الأمر بذلك الواجب الأهم أيضا يسقط لعدم إمكان إيجاب مقدّمته لكن سقوط إيجابه أيضا كسقوط النهي عن الحركة الخروجية بسوء الاختيار حيث إنّه لو لم يدخل في الدار المغصوبة لكان متمكّنا من ترك الغصب بأقسامه ، كما أنّه لو لم يذهب إلى المكان المزبور لم يرتكب شرب النجس ولم يوقع نفسه في المهلكة ، والعقل في مثل ذلك يرشد إلى شرب الماء المتنجّس اقتصارا على أقل المحذورين ، فالساقط إيجاب ذي المقدّمة بالبعث إليه فعلا لا لزوم رعايته عقلا ، حيث كان وجوب التحفّظ على النفس من الهلكة وحرمة إيقاعها في الهلكة منجّزين قبل الدخول في المكان المزبور.