لاختلافها في استحقاق الجنة ودرجاتها ، والنار ودركاتها ، [وموجب لتفاوتها في نيل الشفاعة وعدم نيلها] ، وتفاوتها في ذلك بالآخرة يكون ذاتيا ، والذاتي لا يعلل.
إن قلت : على هذا ، فلا فائدة في بعث الرسل وإنزال الكتب والوعظ والإنذار.
قلت : ذلك لينتفع به من حسنت سريرته وطابت طينته ، لتكمل به نفسه ، ويخلص مع ربه أنسه ، ما كنا لنهتدي لو لا أن هدانا الله ، قال الله تبارك وتعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) وليكون حجة على من ساءت سريرته وخبثت طينته ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بيّنة ، كيلا يكون للناس على الله حجة ، بل كان له حجة بالغة.
ولا يخفى أن في الآيات والروايات ، شهادة على صحة ما حكم به الوجدان الحاكم على الإطلاق في باب الاستحقاق للعقوبة والمثوبة ، ومعه لا حاجة إلى ما استدل على استحقاق المتجري للعقاب بما حاصله : إنه لولاه مع استحقاق
______________________________________________________
(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ)(١) كيلا يكون للناس على الله حجة بل كان له حجة بالغة.
أقول : ظاهر كلامه أنّه التزم باستحقاق العقاب على أمر غير اختياري فإن كان المراد من غير الاختياري ما لا يكون حصوله بالإرادة التي ذكرها أهل المعقول مع الالتزام من تمكّن المكلف من تركه والممانعة عن وجوده وإن تفاوت أفراد الإنسان ذاتا بحسب كونه ممكن الوجود واختلافهم بحسب الذات وإن يقتضي اختيار الكفر أو الإيمان والطاعة أو المعصية ، إلّا أنّ هذا بنحو الاقتضاء لا العلّية ، بحيث لا ينافي التمكّن مما يقتضيه نقصان ذاته أو خبثه ، وكذا في حسن سريرته وطيبة ذاته فالالتزام
__________________
(١) سورة الأنفال : الآية ٤٢.