صرح به جميع الأصحاب ، والحامل له على ذلك ما فهمه من أن إطلاق الوصية محمول على النافذة.
وأنت قد عرفت مما حققناه سابقا أن الإطلاق في الوصية وغيرها من العقود إنما يقتضي إرادة معنى ما تعلق به العقد لكن إذا صادف ذلك ما يمكن نفوذه فيه نفذ ، لوجود المقتضى وارتفاع المانع ، وإن لم يصادق ذلك كان عقدا موصوفا بالصحة القابلة للنفوذ وعدمه بسبب رفع المانع ، أو تحقق الشرط الشرعي وعدمهما ، ففي البيع إذا علقه على النصف من غير تعرض لكون المستحق له ، أو المشاع بينه وبين شريكه اقتضى نقل النصف في نفسه ، وله محل ينفذ فيه ، باعتبار استحقاق العاقد المخاطب بالوفاء بعقده نصفا ، فينفذ وينزل عليه تنزيلا شرعيا لا قصديا ، بمعنى كون العاقد قد قصد ذلك وكذا ما نحن فيه ، فإن الموصى إذا أوصى لزيد بثلث لم يقصد إلا تمليك الثلث في نفسه ، إلا أنه لما كان يمكن تنفيذه باعتبار استحقاق الموصى ثلثا ، نفذت الوصية به ، فإذا أوصى بعد ذلك بثلث أيضا لم يصادف ذلك محللا ينفذ فيه ، لسبق السبب الأول ، وإنما صادف محلا ينفذ فيه مع الإجازة ، فيتعلق حينئذ كذلك ، على حسب ما صادف كما هو واضح ، ولا يسمى مثله باطلا ، بل هو صحيح خصوصا بعد بناء الأصحاب في المقام من كون الإجازة تنفيذا ، لا ابتداء عطية ، كما عرفت ، فتصرف الموصى حينئذ يقع في ماله ، إلا أنه كان متوقفا على إجازة الوارث ، وبها يتم تصرفه في ماله ، لا أنه يكون التصرف من الوارث ، فلا دلالة في الوصية الثانية على الرجوع عن الأولى لعدم التضاد بينهما بخلاف ما لو علقها بما علق الأولى ، فإنه يحصل التضاد فليس إلا الفسخ والرجوع ويكون الثاني كالوارد على الأول فينسخه ، ضرورة كونه حينئذ كالدليل الوارد على الأصل ، إذ لا معارض للثانية إلا استصحاب صحة الأولى المعارض بما وقع من نفس الوصية الثانية ، ومن هنا حكمنا بنسخ الأولى للثانية ، دون العكس ، وكذا لو قال ثلث لزيد ثم قال ثلثي لعمرو ، فإنه رجوع بخلاف العكس.
وبما ذكرنا يظهر لك الحال فيما ذكره جملة من الأصحاب في المقام ، فإنه كما في المسالك قد اختلاف اختلافا كثيرا حتى من الرجل الواحد في الكتب المتعددة بل الكتاب الواحد ، بل فيها