فإنه يحمد الله على سجنه ، كما لو كان نعمة أنعمها الله عليه.
فكان عليهالسلام يحيي الليل كله قياماً للصلاة وقراءة للقرآن ودعاءً ، ويمضي نهاره صياماً ، ويطيل السجود حتى تخاله كالثوب المطروح.
وحينما رآه هارون في السجن عبّر عن دهشته من شدة انقطاعه وكثرة عبادته ، فما تمالك نفسه أن قال : أما إن هذا من رهبان بني هاشم (١).
وهكذا حال جميع من مكث في سجنه ، فقد دخل عبد الله القروي على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح ، فأمره أن يشرف إلى البيت في الدار ، فقال له : « ما ترى في البيت ؟ قال : ثوباً مطروحاً ، ثم نظر وتأمل فتيقن أنه رجل ساجد ، فقال له : هذا أبو الحسن موسى بن جعفر ، إني أتفقده الليل والنهار ، فلم أجده في وقت من الأوقات إلاّ على الحال التي أخبرك بها ، أنه يصلّي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته إلى أن تطلع الشمس ، ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجداً حتى تزول الشمس ، وقد وكل من يترصّد له الزوال ، فلست أدري متى يقول الغلام : قد زالت الشمس ، إذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير أن يجدد وضوءاً ، فاعلم أنه لم ينم في سجوده ولا أغفى ، فلا يزال كذلك إلى أن يفرغ من صلاة العصر ، فإذا صلّى العصر سجد سجدة ، فلا يزال ساجداً إلى أن تغيب الشمس ، فإذا غابت وثب من سجدته فصلّى المغرب من غير أن يحدث حدثاً ، ولا يزال في صلاته وتعقيبه إلى أن يصلّي العتمة ، فإذا صلّى العتمة أفطر ، ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ، ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ، ثم يقوم فيجدد الوضوء ، ثم يقوم فلا يزال يصلّي في جوف الليل حتى يطلع الفجر ، فلست أدري متى يقول الغلام : إن الفجر قد طلع ، إذ قد وثب هو لصلاة الفجر ، فهذا دأبه منذ حوّل
__________________
(١) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٩٣ ، أمالي الصدوق : ٣٧٧ ، أمالي الطوسي : ٢٦٩ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٢٢.