تحوّل إلى اليسرى فاعتذر لكم وقال : إني لم أقل شيئاً ، فاقبلوا عذره » (١).
وأورد المؤرخون مزيداً من الروايات في حسن عفوه وسعة حلمه وكظمه للغيظ ، ومقابلته الإساءة بالعفو والإحسان ، لأجل إشاعة قيم الاصلاح والهداية في المجتمع ، الأمر الذي يمثل صميم رسالة الإمام التي تعدل ما طلعت عليه الشمس ، وترخص عندها كل صفراء وحمراء.
منها أن رجلاً من ولد عمر بن الخطاب كان بالمدينة يؤذي الإمام الكاظم عليهالسلام ويشتم علياً ، فقال له بعض حاشيته : « دعنا نقتله ، فنهاهم عن ذلك أشد النهي ، وزجرهم أشد الزجر ، فركب إلى مزرعة العمري فدخلها بحماره ، فصاح به العمري : لا تطأ زرعنا ، فوطئه بالحمار حتى وصل إليه ، فنزل فجلس عنده وضاحكه ، ثم سأله كم غرم في زرعه ، فقال له : مائة دينار ، وسأله كم يرجو أن يجيئه فيه ، فقال : مائتا دينار ، فأعطاه الإمام عليهالسلام ثلاثمائة دينار ، فقام العمري فقبل رأسه ، وانصرف إلى المسجد ، فوجد العمري جالساً ، فلما نظر إليه قال : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، فوثب أصحابه فقالوا له : ما قصتك ؟! قد كنت تقول خلاف هذا ، فخاصمهم وشاتمهم ، وجعل يدعو لأبي الحسن موسى عليهالسلام كلما دخل وخرج ، فقال أبو الحسن موسى عليهالسلام لحاشيته الذين أرادوا قتل العمري : أيما كان خير ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار » (٢).
وهذا هو الخط الذي يريده عليهالسلام في علاقاتنا بالناس الذين يسيئون إلينا ،
__________________
(١) الفصول المهمة : ٢٢٠.
(٢) تاريخ بغداد ١٣ : ٣٠ ، مقاتل الطالبيين : ٣٣٢ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣ ، اعلام الورى ٢ : ٢٦.