فنتذاكر ما عندنا ، فما يرد علينا شيء إلاّ وعندنا فيه شيء مسطّر ، وذلك مما أنعم الله به علينا بكم ، ثم يرد علينا الشيء الصغير وليس عندنا فيه شيء ، فينظر بعضنا إلى بعض ، وعندنا ما يشبهه ، أفنقيس على أحسنه ؟ فقال عليهالسلام : وما لكم والقياس ! إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس. ثم قال : إذا جاءكم ما تعلمون فقولوا به ، وإن جاءكم ما لا تعلمون فها ، وأهوى بيده إلى فيه (١). فقلت : أصلحك الله ، أتى رسول الله صلىاللهعليهوآله الناس بما يكتفون به في عهده ، قال : نعم ، وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة. فقلت : ضاع من ذلك شيء ؟ فقال : لا ، هو عند أهله » (٢).
وهنا يضع الإمام عليهالسلام اصبعه على موضع الجرح ، فإن مشكلة المسلمين هي أنهم تركوا أهله فلم يرجعوا إليهم فتاهوا في لجّة البحر ، وقد قيل إن أبا حنيفة لم يوثق إلاّ (١٧) أو (١٨) حديثاً ، لذلك لجأ إلى القياس ، ولو كان قد رجع إلى أهل البيت عليهمالسلام الذين نزل الوحي في بيوتهم وتوارثوا الحديث كابراً عن كابر ، لاستغنى عن الرأي والظن في أحكام الله.
وفي حديث آخر يؤكد الإمام عليهالسلام سبب ترك القياس ، وهو أن الكتاب والسنة لم يتركا فراغاً في التشريع في أي موضوع ، عن أبي المغرا ، عن عبد صالح عليهالسلام ، قال : « سألته فقلت : إن أناساً من أصحابنا قد لقوا أباك وجدك وسمعوا منهما الحديث ، فربما كان الشيء يُبتلى به بعض أصحابنا وليس في ذلك عندهم شيء ، وعندهم ما يشبهه ، يسعهم أن يأخذوا بالقياس ؟ فقال : لا ، إنما هلك من كان قبلنا بالقياس. فقلت له : لم تقول ذلك ؟ فقال : لأنه ليس من
__________________
(١) أي اسكتوا.
(٢) الكافي ١ : ٥٧ / ١٣ ، الاختصاص : ٢٨٢ ، بصائر الدرجات : ٣٢٢ / ٤.