وقال عليهالسلام لعبد الله والد النفس الزكية : « لا تفعلوا ، فإن هذا الأمر لم يأتِ بعد ، إن كنت ترى أنّ ابنك هذا هو المهدي فليس به ولا هذا أوانه ، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضباً لله ، وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، فإنّا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك » فانتبه بنو العباس من ذلك لأمر لم يكونوا يطمعون فيه ، وتبين بقتله ووصول بني العباس إلى سدة الحكم صدق قول الإمام عليهالسلام.
وبعد أفول دولة بني أمية وقيام دولة بني العباس ، تخلف محمد هو وأخوه إبراهيم عن الوفود على السفاح ثم على المنصور ، فحرصا على تطلّب محمد وإبراهيم والظفر بهما ، واشتد الطلب أيام المنصور فتواريا بالمدينة ولم يقدر عليهما ، فقبض المنصور على أبيهما واثني عشر من أهل بيته أثناء موسم الحج ، فحبس أباهما عبد الله بالمدينة في دار مروان ثلاث سنين ، ثم سيره مع اثني عشر من آل بيته مغلولين إلى الربذة ومنها إلى الهاشمية ، فحبسهم بالمطبق مصفدين يرسفون بالقيود ، فمكثوا في الحبس سبع سنين سلّط عليهم فيها أنواع العذاب حتى قتلوا بضروب من القتل (١). وبقي محمد وابراهيم ينتقلان في الاستتار والطلب يزعجهما من ناحية إلى أخرى ، فلما علم محمد بموت أبيه وسائر أهل بيته ظهر ثائراً في نحو ثلاثمائة رجل فيهم كثير من الطالبيين سنة ( ١٤٥ ه ) ، وبايعه أهل المدينة بالخلافة ، وأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة فغلب عليها وعلى الأهواز وفارس ، وبعث الحسن بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى مكة فملكها ، وبعث عاملاً إلى اليمن.
وكتب إليه المنصور يحذّره عاقبة عمله ويمنّيه بالأمان وواسع العطاء ، وتتابعت بينهما الرسل فلم تنفع ، فانتدب المنصور لقتاله عيسى بن موسى
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ١٢١ و ١٤٥ و ١٥٤.