تعالى والانقطاع إليه ، فهو أكثر الناس عبادة لله تعالى وأعظمهم طاعة حتى لُقّب بالعبد الصالح لشدة انقطاعه إلى ربه واجتهاده في العبادة والتقوى ، ولقب بزين المجتهدين ؛ إذ لم يرَ أحد نظيراً له في الطاعة والعبادة ، وكان عليهالسلام في السجن لا يفتر عن العبادة ، يحيي الليل كلّه صلاةً وقراءةً للقرآن ودعاءً واجتهاداً ساهراً في محراب عبادته ، ويصوم النهار في أكثر الأيام ، ولا يصرف وجهه من المحراب.
ومع أنّ الإمام عليهالسلام لم يشترك في الميادين السياسية ولم ينضم إلى الثوار من الطالبيين ، فقد عمل العباسيون على عزله عليهالسلام عن أتباعه ومواليه بإيداعه في ظلمات السجون حتى قضى بالسم شهيداً بأمر من هارون اللارشيد ، وليس ثمة سبب إلاّ الخوف من دور الإمام الفاعل في الحياة الإسلامية والغيرة من روحانية شخصيته التي تستقطب مختلف أوساط الأُمّة.
وعلى رغم ظروف الحرمان والاضطهاد والتضييق والعذاب النفسي والجسدي ، فقد واجه كل تلكم المآسي بعزم ثابت وإرادة صلبة وتصميم راسخ ، فكان عليهالسلام مثالاً للصبر والإصرار والتحدّي ، حتى سُمّي الكاظم لما تحمل من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به حتى مضى شهيداً في حبسهم ، وكان في السجن سيد الصابرين الذي يشكر خالقه ، لأنه لبّى دعاءه ففرغه لعبادته والانقطاع لطاعته بقوله : « اللّهمّ إنك تعلم أني كنت أسألك أن تفرغني لعبادتك ، اللّهمّ وقد فعلت ، فلك الحمد » (١). ومع محيط السجن القاهر كان عليهالسلام يمتلك امتداداً روحياً عظيماً في الواقع الإسلامي.
ما قدمناه قبس من حياة إمامنا الكاظم عليهالسلام ، أما بعد شهادته فانه يعرف
__________________
(١) الإرشاد ٢ : ٢٤٠ ، الفصول المهمة : ٢٢٠.