ومنها : موثقة ذريح عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث : « أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لولا أني أكره أن أشق على أُمتي لأخّرتها ، يعني العتمة إلى ثلث الليل » (١) ومنها غيرها.
فربما يتراءى منها أفضلية التأخير إلى ثلث الليل ، لظهورها في اشتماله على مصلحة بالغة الأهمية بمثابة يستوجب الأمر لولا مخافة المشقة فكيف ينسجم هذا مع الجمع الذي قدّمناه من أفضلية التقديم ولا سيما عند سقوط الشفق وانتهاء وقت الفضيلة ببلوغ الثلث.
والجواب : أن أقصى ما يستفاد من هذه الأخبار هو وجود المقتضي لتشريع التأخير إلى الثلث رعاية لانتظام توزيع الفرائض على الأوقات الخمسة وتفريقها على مجموع الليل والنهار لتقع كل فريضة في وقت منفصل عن الأُخرى بنسبة معينة ، لكن المشقة على الأُمة كانت مانعةً عن هذا الجعل ، فانّ من الواضح الجليّ أن محقق المشقّة لم يكن هو التأخير العملي ، كيف ولا تترتب أيّ مشقة على الأُمة بتأخيره صلىاللهعليهوآله صلاة نفسه ، وإنما المشقة كامنة في التشريع والأمر بالتأخير ، فغايته وجود المصلحة في هذا الأمر ، لكنه لمكان الاقتران بالمانع لم يصل إلى مرحلة الفعلية.
وبالجملة : ليس المراد من قوله صلىاللهعليهوآله : « لأخرت العتمة » هو التأخير عملاً ، لما عرفت من أن تأخيره صلىاللهعليهوآله بمجرده لا يستوجب المشقة على الأُمة ، بل المراد التأخير بحسب الجعل والتشريع الذي لم يبلغ مرتبة الفعلية رعاية لما عرفت من المانع. ولأجله جعل الأفضل الإتيان بها بعد ذهاب الحمرة المشرقية إلى الثلث. إذن فلا تنافي بين هذه الروايات وبين النصوص المتقدمة التي حملناها على أفضلية التقديم ، لأنها بصدد بيان وجود المقتضي للتأخير فحسب ، حسبما عرفت فلاحظ.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ١٨٥ / أبواب المواقيت ب ١٧ ح ١٠.