ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنه « قال : وقت الجمعة زوال الشمس ... » إلخ (١) ونحوها غيرها كما لا يخفى على من لاحظ أخبار الباب.
هذا ولكن الاستدلال بهذه الروايات لا يتم.
أما أوّلاً : فلأن التضييق المذكور فيها إن أُريد الحقيقي كما هو الظاهر منها فهو لا يمكن الالتزام به ، لامتناع إيقاع العمل عادة في زمان يقارن مبدؤه الزوال التحقيقي بحيث لا يتقدم ولا يتأخر عنه آناً ما ، فان هذا إنما يتيسر لمثل النبي صلىاللهعليهوآله باخبار جبرئيل كما ورد في بعض الأخبار أنه صلىاللهعليهوآله كان يخطب فيقول جبرئيل : يا محمد قد زالت الشمس فانزل فصل (٢) ، وأما بالنسبة إلى عامة الناس فلا شك أنه تكليف متعسر بل متعذر لعدم العلم غالباً بدخول الزوال إلا بعد مضيّ دقيقة أو دقيقتين من الأوحدي الممارس على الأوقات الذي هو أقل القليل من المكلفين. فتشريع وجوب غير قابل للامتثال بالإضافة إلى عامة الناس قبيح على الشارع الحكيم.
ولا يقاس المقام بالتضييق في مثل الصوم الذي يتحد فيه الوقت مع العمل من حيث المبدأ والمنتهى ، فان الواجب هناك هو الإمساك والكفّ عن المفطرات والمطلوب هو الترك ، فيمكن الإمساك قبل طلوع الفجر بدقائق أو أكثر من باب المقدمة العلمية. وأما في المقام فالمطلوب هو الفعل والواجب أمر وجودي والمفروض عدم جواز تقديمه على الوقت ولا تأخيره حتى آناً ما فيرد حينئذ ما عرفت من المحذور.
وإن أُريد به الضيق العرفي غير المنافي للتأخير بالمقدار المزبور ، فهو خلاف الظاهر (٣) من هذه الروايات جدّاً ، فان المتبادر منها إنما هو التضييق الحقيقي كما
__________________
(١) الوسائل ٧ : ٣١٨ / أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ١١.
(٢) الوسائل ٧ : ٣١٦ / أبواب صلاة الجمعة ب ٨ ح ٤.
(٣) لعل امتناع إرادة التضييق الحقيقي كما اعترف قدسسره به قرينة واضحة على إرادة التضييق العرفي ومعه كيف يكون هذا المعنى خلاف الظاهر.