عن الأُفق تحدث على كل جسم مرتفع عن سطح الأرض ظلا طويلاً غايته ، وكلما كان الجسم أطول كان الظل أكثر ، ويمتد إلى ناحية الغرب ، ثم تأخذ الشمس في التصاعد والارتفاع ، وبتبعه يشرع الظل في النقصان ، وكلما ازدادت علوّاً ازداد الظل نقصاناً إلى أن تبلغ الشمس أقصى مراحل الارتفاع في كبد السماء ، وحينئذ إذا كان الشاخص مسامتاً لها انعدم الظل بالكلية ، كما لو كان على خط الاستواء أو ما حولها إلى نهاية الميل الأعظم في بعض الأحيان ، وإن لم يسامتها بأن كان أقصى من ذلك لم ينعدم بالمرّة بل يبقى لا محالة ظلّ ما ، وبعد ميل الشمس إلى ناحية الغرب يحدث ظل في الأول ويأخذ الظل الباقي في الازدياد في الثاني إلى ناحية الشرق ، وهذا الحدوث أو الأخذ في الازدياد كاشف قطعي عن الزوال.
وتوضيحه : أنا إذا لاحظنا نقطتي المشرق والمغرب ، فالخط الوهمي المتصل بينهما القاسم للكرة الأرضية إلى ناحيتين متساويتين شمالية وجنوبية هو خط الاستواء ، كما أن الخط الموهوم الواصل بين نقطتي الشمال والجنوب المار بخط الاستواء الذي يحصل من تقاطعهما أربعة أقسام متساوية هو خط نصف النهار.
ثم إن الشمس عند طلوعها من أيّة نقطة من المشرق تغرب في النقطة المقابلة لها من المغرب ، فاذا طلعت في أول فصل الربيع تمرّ على خط الاستواء وتغيب في نقطة المغرب ، ولأجله يعتدل الليل والنهار في هذا اليوم ، ثم في اليوم الثاني والثالث تميل في شروقها وغروبها عن خط الاستواء إلى ناحية الشمال شيئاً فشيئاً إلى نهاية فصل الربيع ، وهو تسعون يوماً ، فتبتعد يومئذ عن خط الاستواء بمقدار ثلاثة وعشرين درجة ، وهو نهاية الميل الأعظم الشمالي ، فيستوعب كل درجة من عرض البلاد أربعة أيام تقريباً ، ثم تعود في أول الصيف إلى أن تبلغ خط الاستواء في نهاية هذا الفصل كما كانت كذلك في أول الربيع ، ثم تميل إلى ناحية الجنوب لمدة ثلاثة أشهر وهي أشهر الخريف إلى أن تبلغ الميل الأعظم من هذه الناحية ، ثم تعود ثلاثة أشهر أُخرى وهي الشتاء إلى أن ترجع إلى خط الاستواء.