ونحن ندعو عليه حتى صلى ركعة ونحن ندعو عليه ، ونقول هذا شباب من شباب أهل المدينة ، فلما أتيناه إذا هو أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام فنزلنا فصلينا معه وقد فاتتنا ركعة ، فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا : جعلنا فداك هذه الساعة تصلي ، فقال : إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت » (١).
فإنها خير شاهد على أن إناطة الوقت بذهاب الحمرة عن قمة الرأس كان من الواضحات عند الإمامية وأمراً مفروغاً عنه بينهم مركوزاً في أذهانهم ، وإلا فكيف غضبوا من فعل المصلي قبل أن يعرفوا أنه الصادق عليهالسلام حيث قالوا فوجدنا في أنفسنا أي غضبنا.
والجواب : أن كون ذلك شعاراً لهم ورمزاً وإن لم يكن مساغ لإنكاره ، إلا أنه مع ذلك لا دلالة له بوجه على لزوم التأخير ، إذ من الجائز أن يكون ذلك من سنخ الشعائر القائمة على نبذ مما التزموا به عملاً مع اعترافهم باستحبابه من غير نكير كالقنوت ، فإنك لا تكاد ترى إماميّاً يتركه في صلاته من غير عذر مع أنه لا يرى وجوبه. فلا ملازمة بين البناء العملي على شيء وبين وجوبه فليكن المقام من هذا القبيل ، ولا سيما بعد ملاحظة أن الروايات الواردة في جواز ترك القنوت قد ورد مثلها في المقام أيضاً. ومنه تعرف الحال في الرواية ، فإن غاية ما يستفاد منها أن تأخير الصلاة عن استتار القرص أمر مرغوب فيه عند الإمامية ، وأما وجوبه فكلاّ. مضافاً إلى ضعف سندها بعدّة من المجاهيل.
وقد استبان لك من جميع ما قدمناه لحدّ الآن أن القول المنسوب إلى الأشهر أو الأكثر لا يسعنا الالتزام به ، إذ لا سبيل إلى إتمامه بدليل تركن إليه النفس ، بل الدليل قائم على خلافه ، ومقتضى الصناعة هو المصير إلى القول المشهور من دخول الوقت بسقوط القرص واستتار الشمس تحت الأُفق الذي اختاره جماعة من المحققين. منهم المحقق (٢) وصاحب المدارك (٣) وغيرهما ، فقد دلت
__________________
(١) الوسائل ٤ : ١٨٠ / أبواب المواقيت ب ١٦ ح ٢٣ ، أمالي الصدوق : ١٤٠ / ١٤٣.
(٢) الشرائع ١ : ٧٢.
(٣) المدارك ٣ : ٥٣.