الأُفق ولم يتميز عن الخيط الأسود ولم يتبين النور المنبسط في ناحية المشرق لم يحكم بوجوب الإمساك ولا بجواز الصلاة ، فتحقق البياض في نفسه لا أثر له ، وإنما الموضوع للأثر هو المتبين منه.
نعم ، لا شبهة في أن عدم التبين إذا كان مستنداً إلى مانع خارجي من وجود غيم أو ضباب أو عجاج أو عمى ونحو ذلك من موانع الرؤية لم يقدح ، إذ القصور حينئذ إنما هو في الرائي لا المرئي ، فان الفجر متبيّن في نفسه ومتحقق من غير قصور فيه ، وهذا واضح لا غبار عليه.
وإنما الكلام فيما إذا استند عدم استبانة البياض إلى ضياء القمر القاهر على ضوء الفجر والمانع عن رؤيته وتبينه ، فقد يقال بعدم تحقق الطلوع حينئذ ، لعدم تبين البياض وإن اقتضته الموازين العلمية كالساعة الدقيقة ، وقد عرفت أن للتبين موضوعية في تحقق الطلوع وما هو الموضوع للأثر ، فالعبرة بالتبين الحسي ولا يكفي التقديري.
اختار ذلك المحقق الهمداني في مصباح الفقيه وقال ما لفظه : مقتضى ظاهر الكتاب والسنة وكذا فتاوى الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر وتبينه في الأُفق بالفعل ، فلا يكفي التقدير مع القمر لو أثر في تأخر تبين البياض المعترض في الأُفق ، ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه ، فانّ ضوء القمر مانع عن تحقق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر ، والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقق. وقد تقدم في مسألة التغير التقديري في مبحث المياه من كتاب الطهارة ما له نفع للمقام فراجع (١).
ولكن الظاهر عدم الفرق بين ضوء القمر وبين غيره من موانع الرؤية فإنه أيضاً مانع عن التبين الذي أُخذ في الموضوع طريقاً لاستعلام الفجر وكاشفاً عن تحققه ، ضرورة عدم الفرق في أصل تكوين البياض بين الليالي المقمرة وبين
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٢٥ ، السطر ١٨.