تعييناً فكيف أنكره الأصحاب ، وهذه الأخبار بمرأى منهم ومسمع ، وكتبهم الحديثية وغيرها مشحونة بهاتيك الأحاديث بحيث لا يحتمل غفلتهم عنها وعدم ظفرهم بها على كثرتها ، وهل يحتمل في حقهم مع جلالتهم وعظمتهم ، وهم أساطين المذهب وحفّاظ الشريعة ، وحملة الدين المبين وأُمناء الله في أرضه ترك فريضة من فرائض الله وإنكار وجوبها ، حاش لله إن هذا إلا بهتان مبين.
وثانياً : استقرار سيرة أصحاب الأئمة عليهمالسلام لا سيما الصادق عليهالسلام على كثرتهم ، على عدم إقامة هذه الصلاة ، مع أنهم هم الرواة لهذه الأحاديث ونقلة تلك الأخبار ، فلو كان واجباً تعييناً كيف أهملوها ولم يعتنوا بشأنها ، مع علوّ مرتبتهم وارتفاع منزلتهم ، وهم من أركان الدين وأعمدة المذهب وحملة الفقه الجعفري ، لا سيما زرارة الذي هو الراوي لأكثر تلك الأخبار ، وهو على ما هو عليه من عظم الشأن وعلوّ المقام ، فلو كان واجباً حتمياً لكانوا هم أحق بفهمه منها فكيف أهملوها ولم يهتمّوا بها ، وهل هناك فسق أعظم من التجاهر بترك فريضة مثل الصلاة التي هي عماد الدين ومن أهمّ الفرائض التي يمتاز بها المسلم عن الكافرين.
ويكشف عما ذكرناه من تركهم لهذه الصلاة مضافاً إلى أنهم لو أقاموها لظهر وبان ، ونُقل إلينا بطبيعة الحال ، ولَمّا ينقل عن أحدهم قط أنه يستفاد ذلك من بعض الأخبار :
منها : صحيحة زرارة قال : « حثّنا أبو عبد الله عليهالسلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدوا عليك ، فقال : لا إنما عنيت عندكم » (١) فانّ الحثّ والترغيب على إقامة الجمعة من الصادق عليهالسلام لمثل زرارة الذي هو الراوي لأغلب تلك الأخبار كما عرفت يكشف عن عدم التزامه بها ، بل إهماله لها ، بل هو يدل على الاستحباب ، بمعنى كونها أفضل
__________________
(١) الوسائل ٧ : ٣٠٩ / أبواب صلاة الجمعة ب ٥ ح ١.