ومنها : صحيحة منصور عن أبي عبد الله عليهالسلام في حديث « قال : الجمعة واجبة على كل أحد ، لا يعذر الناس فيها إلا خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي » (١) وهذه هي الرواية التي أشرنا إلى إبائها عن الحمل على الوجوب التخييري ، فإن التعبير بعدم المعذورية إنما يصح بالإضافة إلى الواجبات التعيينية ، وإلا فمن اختار أحد عدلي الواجب التخييري فهو معذور في ترك الآخر ، فلا يصح في حقه مثل هذا التعبير الذي هو كالنص في الوجوب التعييني كما عرفت.
والجواب : أن الاستدلال بها موقوف على أن يكون متعلق الوجوب في قوله « الجمعة واجبة .. » إلخ هي الإقامة نفسها دون الحضور والسعي إليها بعد فرض الانعقاد وتحقق الإقامة خارجاً ، والظاهر من الصحيحة بل المتعين هو الثاني بقرينة استثناء المسافر ، إذ الساقط عنه إنما هو الحضور دون المشروعية وأصل الوجوب ، وإلا فهي مشروعة منه لو أحب الحضور ورغب فيه ، بل هي أفضل من اختيار الظهر ، وثوابها أعظم من الجمعة التي يقيمها المقيم كما أُشير إليه في بعض الأخبار (٢) فلا يصح الاستثناء (٣) لو كان النظر إلى أصل الإقامة دون الحضور لثبوتها في حقه كالحاضر ، كما لا يصح استثناء مَن كان على رأس فرسخين الوارد في غير واحد من الأخبار وقد تقدّم بعضها ، إذ هو إنما يتجه لو كان الواجب هو الحضور في البلد الذي تقام فيه الجمعة فيرفع الحكم عنهم إرفاقاً كي لا يتحملوا مشقة الحضور من مساكنهم ، وإلا فلو كانت الإقامة بنفسها واجبة تعييناً كان اللازم على البعيدين عقدها في أماكنهم مع اجتماع
__________________
(١) الوسائل ٧ : ٣٠٠ / أبواب صلاة الجمعة ب ١ ح ١٦.
(٢) الوسائل ٧ : ٣٣٩ / أبواب صلاة الجمعة ب ١٩ ح ٢.
(٣) بل يصح على التقديرين ، فان وجوب الإقامة شيء والمشروعية شيء آخر ، ولا مانع من أن تكون الصلاة مشروعة في حق المسافر ومع ذلك لم تجب عليه الإقامة ولا الحضور بعدها.