بين الأعيان ، وفي المسألة قولان معروفان ، ذهب إلى كل منهما جماعة كثيرون ، فاختار فريق ومنهم المحقق الهمداني (١) قدسسره الفساد وعدم الانعقاد نظراً إلى اعتبار الرجحان في متعلق النذر ، والتطوع في وقت الفريضة أمر مرجوح بل غير مشروع حسب الفرض ، ومن المعلوم أن غير المشروع لا ينقلب بالنذر إلى المشروع فكيف يحكم بصحته وانعقاده.
وذهب آخرون ومنهم السيد الماتن قدسسره إلى الصحة وذكر قدسسره في وجهها ما ملخصه : أنه يكفي في الرجحان المعتبر في متعلق النذر حصوله ولو من قِبل نفس النذر ولا يلزم أن يكون راجحاً قَبله ، وبما أن الصلاة المنذورة في مفروض المسألة بما لها من الخصوصية تصبح راجحة بعد تعلق النذر بها ، فلا مانع من انعقاده ووجوب الوفاء به.
ولكنك خبير بأن هذا الكلام بظاهره لا يمكن المساعدة عليه ، بل غير قابل للتصديق ، إذ ليت شِعري ما هو الكاشف عن حدوث الرجحان بالنذر ، ومن أيّ طريق يحرز تأثيره فيه ما لم يقم عليه دليل بالخصوص ، كما في نذر الإحرام قبل الميقات والصيام في السفر ، حيث علمنا من دليل صحة النذر في هذين الموردين وهما محرّمان حدوث الرجحان به ، ولم يرد مثله في المقام ، ومن الواضح عدم إمكان الإذعان بحدوث الرجحان من قبل النذر بقول مطلق ، لما فيه ما فيه مما لا يخفى على ذي مسكة.
وبالجملة : بعد الاعتراف بالمرجوحية قبل تعلق النذر ما هو الدليل على انقلابها الى الرجحان بسببه ، ولا سيما بعد أن كان مقتضى إطلاق دليلها شمولها لما بعد النذر أيضاً كما لا يخفى ، هذا.
ولكن الظاهر أنّ السيد الماتن قدسسره يريد من كلامه هذا شيئاً آخر هو الصواب قد أُشير إليه في مطاوي عبارته وإن كانت قاصرة نوعاً ما عن إفادته ، وهو أن الصلاة لا شبهة في رجحانها في حدّ ذاتها ، فإنها عبادة بل خير
__________________
(١) مصباح الفقيه ( الصلاة ) : ٦٤ السطر ٣٠.