ثانيهما : النصوص المستفيضة الناطقة بجواز التعويل على أذان المؤذنين وإن كانوا من المخالفين ، فان من الواضح الجلي أن غاية ما يفيده الأذان هو الظن ، وإن اختلفت مراتبه شدة وضعفاً من أجل اختلاف المؤذنين من حيث الضبط والتدقيق في معرفة الوقت وعدمه.
وفيه : أوّلاً : ما ستعرف من أنّ الاعتماد على الأذان إنّما هو من جهة إخبار الثقة ، والنصوص ناظرة إلى ذلك ، فليست العبرة بحصول العلم أو الظن ، بل من أجل حجية خبر الثقة وإن لم يفد شيئاً منهما.
وثانياً : مع التسليم فغايته حجية الظن الناشئ من الأذان بالدليل الخاص ، فالتعدي إلى الناشئ من غيره قياس لا نقول به.
والمتحصل : أنه لا دليل على كفاية الظن لضعف الوجهين المزبورين ، بل الدليل قد قام على العدم ، وهو ما عرفت من أصالة عدم الحجية المعتضدة بالآيات والروايات الناهية عن اتباع الظن ، مضافاً إلى نصوص معتبرة قد وردت في خصوص المقام.
فمنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام : « في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري طلع أم لا ، غير أنه يظن لمكان الأذان أنه طلع ، قال : لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع » (١) ودلالتها على عدم اعتبار الظن في باب الأوقات ظاهرة ، غير أن صاحب الحدائق (٢) زعم معارضتها بالنصوص الناطقة باعتبار الأذان ، وحيث إنها أكثر عدداً وأوضح سنداً فيتعين ارتكاب التأويل في هذه الرواية.
ولكنك خبير بعدم المعارضة ، لما ستعرف من اختصاص تلك النصوص باعتبار أذان الثقة العارف بالوقت ، وهذه مطلقة من حيث حصول الوثوق
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٢٨٠ / أبواب المواقيت ب ٥٨ ح ٤.
(٢) الحدائق ٦ : ٢٩٨.