ولعلّ روايته لتلك الأحاديث الأربعين خصوصاً هذا الخبر المشتمل على أسماء الأئمّة الطاهرين ، وتلك الصفات التي هي من علامات المؤمنين ، ورواية هذا الشيخ الجليل شاذان بن جبرئيل عنه ، وروايته عن المفضّل بن عمر ممّا يكشف ظاهراً عن كونه باطناً من الإماميّة المخلصين.
والعجب من السيّد المعاصر الباقر في كتابه ( رياض الجنّات في أحوال العلماء والسادات ) ، حيث لم يترجم له على حدة ، أو في ضمن ترجمة غيره ، كما فعل مع غيره من المشهورين بالتسنّن ، الذين يعبّر عنهم بإطباق الفريقين ، مع ذكره رواية الشيخ عنه (١). وأمّا الذين لم يذكروه في جملة من يروي عنه الشيخ شاذان ؛ فلكونه عندهم من جملة من بالتسنّن دانَ.
وأمّا الوجه في ما في رواية الفضائل : « إنّ إبراهيم عليهالسلام لمّا أحس بالموت روى هذا الخبر ، وسجد فقبض في سجدته ». فلعلّ قصده عليهالسلام تجديد الإقرار بالعهد الأوّل ، واختتام عمره الشريف بالسجود ، شكراً للتوفيق ، لجمع تلك الصفات الفضل.
وأما رواية أبي حنيفة هذا الخبر لمّا أحس بالموت على الرواية الأُولى ، فلعلّه أنّه لمّا انصرم منه الأجل ، وانقطع به من حبّ الدنيا سبب الأمل ، دان بمذهب الإماميّة ، الذي هو خير العمل ؛ لأنّ السبب التامّ في عدول الفرق الغويّة عن مذهب الإماميّة العليّة ، إنّما هو حبّ الدنيا الدنيّة ، فلمّا آيس من الحياة رجع لما به النجاة.
وممّا يرشد عليه ما ينسب له من الأبيات :
أخرّب ديني كل يوم وأرتجي |
|
عمارة دنيائي ودنياي أخرَبُ |
فها أنا ذا بين الحمارين راجلٌ |
|
فلا الدينُ معمورٌ ولا العيشُ طيّب (٢) |
فإنْ صدق في دعواه ، فقد انقلب على وجهه ، خسر الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين ، إلّا أنْ يركب سفينة النجاة ، ويتّبع سبيل المؤمنين.
__________________
(١) روضات الجنّات ٨ : ١٧٦.
(٢) البقرة : ١٢٤.