في الآثار ، كما لا يخفى على مَنْ جاس خلال الديار.
وحينئذٍ ، فلا بدّ في صرفها عنه من دليل ، وليس فليس ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.
على أنّ في الكتاب وبعض الأخبار ما يعطي كونها حقيقة فيه ، كما في قوله تعالى ( وَما يَنْبَغِي لَهُ ) (١) ، وقوله تعالى ( وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً ) (٢) ، وقوله تعالى ( وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ ) (٣).
وكصحيح زرارة ، عن الباقر عليهالسلام ، قال : « لا ينبغي نكاح أهل الكتاب ». قلتُ : جعلت فداك وأين تحريمه؟ قال عليهالسلام : « قوله تعالى ( وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ ) (٤) » (٥).
ألا ترى كيف فهم زرارة من مجرّد تلفّظ الإمام عليهالسلام بها التحريم من غير توقّف ، وإنّما سأل عن دليله ، والتبادر أمارة الحقيقة.
الثاني : أنّ كونها قرينة على إرادة الكراهة من ذينك الصحيحين ليس أوْلى من جعلهما قرينة على إرادة الحرمة منها ، بل الصواب العكس بلا مَيْنٍ.
وعن الثاني بالفرق بين عدالة الشاهد وإمام الجماعة ، لا سيّما الواجبة ، فإنّ الشهادة تقبل من ناقص المنزلة في القلوب بكثرة التطرّق ، والأكل في الأسواق ، ومزاولة الدني من الصناعات. وإمامة الصلاة متوقّفةٌ على الاتّصاف بما يوجب ميل النفوس إليه ، وإقبال القلوب عليه.
ولذا ورد المنع من إمامته مع كراهة المأمومين له مع عدالته ، كما في خبر ( المعاني ) : « ثمانيةٌ لا يقبل الله لهم صلاة .. » وعدّ منهم : « إمام قوم وهم له كارهون » (٦).
وكره إمامة مَنْ تناله الألسن لذلك ، ولمنافاته الإقبال الذي هو روح الأعمال.
فظهر أنّ قبول شهادته لا يستلزم جواز إمامته ، إلّا أنّه إنّما يتمّ على عدم اشتراط المروّة في العدالة مطلقاً ، وعلى الفرق بين عدالة الشاهد والإمام كما اختاره بعض
__________________
(١) يس : ٦٩. (٢) مريم : ٩٢.
(٣) الشعراء : ٢١١. (٤) الممتحنة : ١٠.
(٥) الكافي ٥ : ٣٥٨ / ٧ ، الوسائل ٢٠ : ٥٣٤ ، أبواب ما يحرم بالكفر ونحوه ، ب ١ ، ح ٤.
(٦) معاني الأخبار : ٤٠٤ / ٧٥ ، بتفاوتٍ يسيرٍ.