ومرسل الصدوق في ( الفقيه ) ، قال : أتى رجل أمير المؤمنين عليهالسلام ، فقال : يا أمير المؤمنين ، والله إني لأُحبّك. فقال له : « ولكنّي أبغضك ». قال : ولم ذلك؟ قال : « لأنّك تبغي في الأذان كسباً ، وتأخذ على تعليم القرآن أجراً » (١).
والكلام هناك مبنيٌّ على الكلام هنا ، فإنْ كان أخذ الأجر حراماً كما هو المشهور ، بل تكثّرت حكاية الإجماع عليه كان الاقتداء بمَنْ يفعله حراماً ؛ لانتفاء العدالة ، وإنْ كان مكروها كما عليه السيّد (٢) ، والمحقّق (٣) ، والشهيد (٤) كان الاقتداء بفاعله مكروهاً.
إذا تقرّر هذا فنقول : إنّ هذين الخبرين وإنْ كانا ضعيفين ، إلّا أنّهما منجبران بالشهرة ومحكي الإجماع من أولئك الأعيان.
نعم ، يبقى في المقام أمران :
الأوّل : الخبر الأوّل قد اشتمل على مكروهات كثيرة ، فلعلّ هذا منها.
الثاني : أنَّ الخبر الثاني أنّما تضمّن بغض عليٍّ عليهالسلام لِمَنْ يأخذ الأجر على الأذان ، ولا يخفى أنّه عليهالسلام كما يبغض المحرّمات يبغض المكروهات ، سيّما المغلّظات ، فلا يكونان صريحين في التحريم ، مع إمكان الجواب عن الأوّل بأنّ حَمْلَ النهي في بعض تلك المنهيّات على الكراهة إنّما كان لمعارضٍ ، وهو غير موجود في ما نحن فيه.
وكيف كان ، فالحكم دائرٌ مدار الحكم في أخذ الأجر على الأذان ، والله العالم.
(١٢) ومنها : النهي عن الصلاة خلف مَنْ هو أقلّ منك معرفة.
ويدلّ عليه أيضاً مضافاً إلى قبح تقديم المفضول على الفاضل ما رواه في ( الفقيه ) ، قال صلىاللهعليهوآله : « مَنْ صلّى بقومٍ وفيهم مَنْ هو أعلم منه لم يزل أمرهم إلى سَفَالٍ (٥) إلى يوم
__________________
(١) الفقيه ٣ : ١٠٩ / ٤٦١ ، الوسائل ٥ : ٤٤٧ ، أبواب الأذان والإقامة ، ب ٣٨ ، ح ٢.
(٢) عنه في المعتبر ٢ : ١٣٤.
(٣) المعتبر ٢ : ١٣٣ ـ ١٣٤.
(٤) الذكرى : ١٧٣.
(٥) السَّفَال : نقيض العلَاء. لسان العرب ٦ : ٢٨٥ سفل.