والويل بواسطة التكذيب ، فإنّ الكفّار عندنا معاقبون على الفروع كعقابهم على الأصول ؛ وإن كانوا غيرهم لم يكن اثبات الويل لقوم بسبب تكذيبهم منافيا لذمّ قوم بتركهم ما امروا به.
وعن الثاني : بأنّه تعالى رتّب الذمّ على مجرّد مخالفة الأمر * ، فدلّ على أنّ الاعتبار به ، لا بالقرينة.
__________________
ومن البيّن أنّ الاحتمالات البعيدة لا ينافي الظهور ، وأنت خبير بأنّ قضيّة الظهور إن تمّت لقضت باندفاع ما أوردناه من الإشكال بحذافيره ، فعلى الناظر في الآية استقصاء النظر في ذلك ليتّضح عليه حقيقة الحال وينجلي له حجاب ذلك المقال بعون الله المتعال وحسن توفيقه.
* ووجه ذلك : ظهور أنّ « الأمر » في إفادته الوجوب لو كان منضّما إليه غيره لكان عليه تعالى ذكره معه في الآية ليتأتّى به المقصود ، ويحصل كمال المطلوب من كون ذلك الذمّ لاستحقاقهم إيّاه بالمخالفة ، فيكون عدمه دليلا على عدمه ومعه يتمّ الاستدلال.
ويمكن الاستدلال بوجوه اخر.
أوّلها : أنّ تارك المأمور به عاص ، وكلّ عاص متوعّد بالعذاب.
أمّا الصغرى : فلشهادة (١) العرف مضافة إلى قوله : « أمرتك أمرا جازما فعصيتني » وقوله تعالى : ( أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي )(٢)( وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً )(٣) و ( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ )(٤) وأمّا الكبرى : فلقوله عزّ من قائل : ( وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ )(٥) بتقريب : أنّ الموصول مفيد للعموم إمّا لقضيّة الوضع أو لتضمّنه معنى الشرط ، والعذاب ملازم لترك الواجب.
ويرد عليه أوّلا : منع الصغرى بأنّ العصيان ضدّ الطاعة ، وهي على ما يساعده العرف إمّا فعل المأمور به أو فعل المندوب ، فالعصيان أيضا بقرينة المقابلة إمّا ترك المأمور به أو ترك المندوب ، وقضيّة ذلك وجوب تقييد الكبرى بما يوجب خروج ترك المندوب ، ومعه يسقط الاستدلال بالآية لعدم كون مفادها حينئذ ممّا يتنازع فيه.
__________________
(١) وفي كلام القوم استناد الصغرى إلى مجرّد الآيات وإنّما أعرضنا عن تلك الطريقة لتوجّه المنع إلى كون مطلق ترك المأمور به عصيانا ، على أنّ الآيات المذكورة في المتن لا يقضي بأزيد من الاستعمال وهو جنس عامّ فلا يلازم الحقيقة كما لا يخفى. ( منه عفي عنه ).
(٢) طه : ٩٢.
(٣) الكهف : ٦٩.
(٤) التحريم : ٦.
(٥) الجنّ : ٢٣.