وقد اعترض أوّلا بمنع كون الذمّ على ترك المأمور به * ، بل على تكذيب الرسل في التبليغ ، بدليل قوله تعالى : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ).
وثانيا : بأنّ الصيغة تفيد الوجوب عند انضمام القرينة إليها إجماعا ، فلعلّ الأمر بالركوع كان مقترنا بما يقتضي كونه للوجوب.
وأجيب عن الأوّل : بأنّ المكذّبين إمّا أن يكونوا هم الذين لم يركعوا عقيب أمرهم به ** ، أو غيرهم. فان كان الأوّل ، جاز أن يستحقّوا الذمّ بترك الركوع ،
__________________
الاستدلال حينئذ بالمرّة ، كما لا يخفى فليتأمّل.
* ومحصّله : أنّ ذمّ الكفّار في ترك الركوع لعلّه ليس لأجل تركه من حيث هو ، ليفيد كون الأمر به مفيدا للوجوب ، بل لأجل تكذيبهم الرسل كما يشعر به قوله تعالى : ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ )(١) فيسقط به الاستدلال بالمرّة ، لتوجّه الذمّ حينئذ وإن كان الأمر للندب.
ولا يخفى أنّ ذلك الكلام منع لعمدة مقدّمات الاستدلال ، وما ذكر من الوجه سند لذلك المنع ، وإنّما ذكر على سبيل الاحتمال فيكون الاستشهاد بالآية إبداء لصحّة هذا الاحتمال ليصلح سندا للمنع ، ضرورة عدم نهوض كلّ احتمال سندا لذلك كما هو المعهود في آداب المناظرة وإلاّ لانسدّ باب الاستدلالات بالمرّة ، فما عن بعضهم من حمل ذلك على كونه معارضة متّضح الفساد إن أراد به المعنى المصطلح عند أرباب المناظرة ، لتصريحهم بأنّها إقامة الخصم ما يشبه دليل المستدلّ ممّا يقضي بخلاف ما اقتضاه ذلك الدليل من دون تعرّض للقدح في مقدّماته كلاّ أو بعضا ، ومحلّ البحث ليس من هذا الباب كما لا يخفى على المتأمّل.
** واورد عليه : بخروجه عن قانون المناظرة ، لما على المجيب من وجوب إثبات كون الذمّ على ترك الركوع من حيث هو ، فلا يكفيه مجرّد الجواز والاحتمال ، ولا يرد مثل ذلك على المعترض لأنّه مانع فيكفيه المنع وإن لم يجعله مستندا فكيف ما لو كان له سند ، ولا سيّما مع استناده إلى شاهد.
فحقّ الجواب أن يقال : إنّ ظاهر الآية الشريفة توجّه الذمّ لمجرّد عدم امتثال قول : « اركعوا ».
__________________
(١) المرسلات : ٤٩.