حسبما أشرنا إليه ، إلاّ أنّ ابن المصنّف ذكر له وجهين آخرين :
أحدهما : أنّ المدّعى ثبوت الوجوب لغة ، فقول المجيب : إنّ الوجوب لا يثبت إلاّ بالشرع ، لا وجه له.
وثانيهما : أنّ الظاهر من كلامه الفرق بين الوجوب والإيجاب ، والحال أنّه لا فرق بينهما إلاّ بالاعتبار.
وأجاب بعض المحقّقين عن أوّلهما : بأنّ القائل بكون « الأمر » للوجوب لغة قال بأنّ صيغة « افعل » مطلقا موضوعة لغة للطلب الحتمي الّذي يلزمه ممنوعيّة الترك ، سواء صدرت بعنوان السؤال أو غيره ، هذا هو المراد بالوجوب لغة كما أنّه المراد من كونه لغة للإيجاب ، وأمّا ترتّب الذمّ على عدم الامتثال واستحقاق العقاب على المخالفة فليس داخلا في معنى الوجوب وحقيقته بل هو لازم لبعض أفراده ، وهو ما إذا كان القائل ممّن يجب ويلزم إطاعته وتحصيل مراده عقلا أو شرعا ، كالله سبحانه والسيّد وغيرهما ممّن له حقّ على المأمور ، ولا ينافيه تعريفهم الوجوب باستحقاق الذمّ على الترك أو استحقاق العقاب عليه ، لكونه تعريفا بلازم هذا الفرد نظرا إلى أنّه المقصود بالأصالة في فنّ الاصول ، وكأنّ إلى ذلك ينظر قول المجيب : « إذ الوجوب إنّما يثبت بالشرع » وهذا لا ينافي كون ما هو حقيقة الوجوب لغة مفاد الصيغة لغة مطلقا.
ولو سلّم دخول ترتّب الذمّ واستحقاق العقاب في حقيقة الوجوب لغة فلا منافاة بين دلالة السؤال عليهما أيضا ، وعدم حصولهما فيه بحسب الواقع لجواز التخلّف في الدلالات اللفظيّة.
ألا ترى أنّ صيغة « افعل » الصادرة في مقام الأمر قد لا تقتضي حصول ترتّب الذمّ في الواقع حتّى عند أصحاب القول بكون الأمر للوجوب ، وإن كان اللفظ دالاّ عليه بحسب الظاهر ، كما لو أمر شخص حرّا أو عبدا بغير جهة شرعيّة تقتضي وجوب إطاعته ، بل لو صرّح حينئذ بالوجوب ويقول : « أوجبت عليك ذلك الفعل » فإنّه لا يقتضي حصول ترتّب الذمّ على المأمور بحسب الواقع مع دلالة اللفظ عليه صريحا بحسب الظاهر ، وكأنّ الاشتباه إنّما نشأ من الخلط بين دلالة اللفظ على الشيء وبين حصول ذلك المدلول في الخارج.
وأورد عليه بعض الأفاضل : بأنّ ما ذكر من جواز تخلّف المدلول عن الدالّ في الدلالات اللفظيّة إنّما يتمّ في الإخبارات ، وأمّا الإنشاءات فيمتنع تخلّف المدلول عنها ، كما هو معلوم من ملاحظة التمنّي والترجّي والنداء وغيرها ، فلو كان مدلول « الأمر » هو وجوب