بحمل الصحابة كلّ أمر ورد في القرآن أو السنّة على الوجوب ، وكان يناظر بعضهم بعضا في مسائل مختلفة ، ومتى أورد أحدهم على صاحبه أمرا من الله سبحانه أو من رسوله صلىاللهعليهوآله ، لم يقل صاحبه هذا أمر ، والأمر يقتضي الندب ، أو الوقف بين الوجوب والنّدب ، بل اكتفوا في اللّزوم والوجوب بالظاهر. وهذا معلوم ضرورة من عاداتهم ومعلوم أيضا : أنّ ذلك من شأن التابعين لهم ، وتابعي التابعين. فطال ما اختلفوا وتناظروا ، فلم يخرجوا عن القانون الّذي ذكرناه. وهذا يدلّ على قيام الحجّة عليهم بذلك حتّى جرت عادتهم ، وخرجوا عمّا يقتضيه مجرّد وضع اللّغة في هذا الباب.
قال رحمهالله : « وأمّا أصحابنا ، معشر الاماميّة ، فلا يختلفون في هذا الحكم الذي ذكرناه ، وإن اختلفوا في أحكام هذه الألفاظ في موضوع اللّغة ، ولم يحملوا قطّ ظواهر هذه الألفاظ إلاّ على ما بيّناه ، ولم يتوقّفوا على الأدلّة. وقد بيّنا في مواضع من كتبنا : أنّ إجماع أصحابنا حجّة ».
__________________
منها : جعله استعمال صيغة الأمر في الإيجاب والندب معا في اللغة والتعارف والقرآن والسنّة ممّا لا شبهة فيه ، فإنّ مراده من التعارف إنّما هو عرفه المتأخّر عن عرف الشرع المتأخّر عن اللغة ، فلا يتصوّر مخالفة الشرع لهما إلاّ على احتمال سخيف يبعد المصير إليه من جاهل فضلا عن عالم فاضل ، وهو هجر أحد معنيي المشترك في زمان الشرع إلى العرف المتأخّر عنه فعوده إلى ما كان عليه أوّلا.
ومنها : جعله الاستعمال فيهما ثابتا في القرآن والسنّة ، وقضيّة ذلك مع انضمام ظهور الاستعمال عنده في الحقيقة اعتقاده بالاشتراك في عرف الشرع ، فكيف يتصوّر معه المصير إلى ما ذكر إلاّ ممّن ليس له حظّ من الفهم.
ومنها : قوله في بيان كيفيّة مناظرة الصحابة بعضهم بعضا : « ومتى أورد أحدهم على صاحبه أمرا من الله سبحانه أو من رسوله صلىاللهعليهوآله لم يقل صاحبه : هذا الأمر يقتضي الندب أو الوقف بين الوجوب والندب » فإنّه لو لا ما ذكرناه لكان عليه أن يقول مكان قوله : « هذا الأمر » « صيغة الأمر » كما لا يخفى على الفطن العارف الذكيّ.