وقد يحكى الاستدلال عليه أيضا : بأنّ ضدّية الإباحة للحرمة توجب تبادرها من الأمر المسبوق بالحظر.
واجيب : بأنّه ليس بشيء ، تعليلا بأنّ الأحكام الخمسة كلّها متشاركة في الضدّيّة.
وفيه : أنّ ذلك إنّما يتّجه إذا كان مراد المستدلّ بالإباحة الّتي ذكرها في الاستدلال الإباحة الخاصّة ، وليس بشيء ، لرجوع حاصل استدلاله إلى أنّ أحكام الشرع خمسة ، منها الحرمة الّتي أفادها الحظر ، فإذا وقع عقيبها الأمر فلابدّ وأن يفيد ما يضادّها ، ضرورة امتناع إفادته لها وامتناع كونه لغوا ، ولا مضادّ لها إلاّ الإباحة بمعنى الرخصة في الفعل ، لكونها ناقضة لما يلزمها من المنع عنه من دون تعيين لها في ضمن الوجوب أو الندب أو الكراهة أو الإباحة بالمعنى الأخصّ حتّى يرد عليه ما تقدّم.
ثمّ إنّ الأقوال الباقية لم ينقل لجملة منها سندا كما لم يعرف قائل كثير منها ، فينبغي الإشارة إلى احتجاجات ما نقل منها له سند ، فعن الأوّل والثالث الاحتجاج بأنّ زوال الحكم السابق إنّما كان من جهة دلالة الحظر عليه ، فبعد ارتفاعه يعود الأوّل لزوال المانع من ثبوته ، أخذا بمقتضى الدليل القاضي بثبوته.
واجيب عنه : بأنّ زوال الحكم السابق يمكن استناده إلى رفع شرط أو وجود مانع أو غيرهما ، فلا يستلزم رفع الحظر رجوعه ، وكأنّ مراده أنّ زوال الحكم السابق ربّما يكون لأجل انتفاء شرط ثبوته أو وجود مانع عنه غير النهي أو غير ذلك.
غاية الأمر أنّ الحرمة المستفادة من هذا النهي قد قارنت هذه العلّة الباعثة على زواله ، فإذا ارتفع ذلك النهي الموجب لارتفاع الحرمة لا يلزم رجوع الحكم السابق ، لجواز بقاء العلّة الباعثة على زواله.
وعن الثاني : الاحتجاج بلزوم الحمل على أقرب المجازات.
واجيب عنه : بأنّه يتمّ إذا لم يتعيّن المجاز وهنا قد تعيّن بالعرف.
والأولى أن يجاب : بمنع الأقربيّة إن اريد به العرفيّة ، لكون القرب العرفي في جانب خلافه وهو الإباحة المطلقة ، ومنع اعتبارها إن اريد بها الاعتباريّة لما قرّرناه مرارا.
وعن السادس الاحتجاج بغلبة الاستعمال في الإباحة شرعا.
واجيب : بأنّه ظاهر الفساد حيث لا فرق هنا بين الشرع والعرف ، وكأنّ المراد به أنّه كما غلب استعماله فيها شرعا فكذلك عرفا فلا مرجّح في البين.