وعن الثامن : بالتعادل بين ما يقتضي حمله على الوجوب وما يفيد حمله على غيره.
ومن المقرّر أنّ قرينة المجاز قد تقاوم الظنّ الحاصل من الوضع فيتردّد الذهن بين المعنى الحقيقي والمجازي ، فلا يصحّ الرجوع إلى أصالة تقديم الحقيقة على المجاز ، لأنّ مبنى الأصل المذكور على الظنّ دون التعبّد الصرف.
وبالتأمّل فيما قرّرناه في الاستدلال على المختار يظهر الجواب عن ذلك.
كما يظهر به الجواب عن احتجاج القول الأخير بمساعدة العرف والاستعمال عليه ، كما يظهر بالرجوع إلى ما يتّفق من موارده في العرف ، مضافا إلى أنّ ذلك هو الغالب في الأوامر الشرعيّة الواردة عقيب الحظر ، كما يشهد به الفحص والاختبار فيتعيّن حمل مواضع الشكّ من الموارد النادرة ـ على تقدير ثبوتها ـ عليه.
والظاهر أنّ حجج الأقوال الّتي لم يذكر لها حجّة ترجع إلى الظهورات العرفيّة كما نبّه عليه بعض الأفاضل.
« خاتمة »
صرّح في الهداية ـ كما هو ظاهر بعض الأعاظم ـ بجريان هذا الخلاف في ورود النهي عن الشيء عقيب وجوبه ـ بالتقريب المتقدّم ـ من أنّه هل يراد به ما يراد بالنهي الابتدائي ، أو يكون ذلك قرينة على إرادة رفع الوجوب ، أو يتوقّف بين الأمرين؟
كما أنّ الظاهر من الثاني اختيار الثاني (١) حسبما اختاره في الأوّل ، مع احتمال كونه مختارا للأوّل أيضا ، إلاّ أنّ الثاني أسند إلى القوم هنا قولا آخر وهو الحرمة استنادا إلى ما سيأتي ، كما أنّ الأوّل نقله بقوله : « ويحكى عن البعض الفرق بين الأمر الوارد عقيب الحظر والنهي الوارد عقيب الإيجاب ، فقال : بأنّ الثاني يفيد التحريم بخلاف الأوّل فإنّه لا يستفاد منه الوجوب ، واستند في الفرق بين الأمرين إلى وجهين واهيين :
أحدهما : أنّ النهي إنّما يقتضي الترك وهو موافق للأصل ، بخلاف الأمر لقضائه بالإتيان
__________________
(١) والمراد بأوّل الثانيين بعض الأعاظم ، وبثانيهما ثاني الاحتمالات ، وهو احتمال كون المراد بالنهي مجرّد رفع الوجوب اعتمادا على القرينة المذكورة.
والمراد بأوّل الأوّلين البحث المتقدّم في الأمر المتعقّب للحظر ، حيث اختار فيه القول بإرادة رفع الحظر في الأمر المتعقّب له ، وبثانيهما صاحب الهداية لأنّه لم يصرّح بأنّ له مختارا في ذلك ( منه عفي عنه ).