كالإرشاد ونحوه ممّا يناسبه المقام ، فيكون النزاع في المسألة نظيره في المسألة السابقة ، ووجه هذا الاحتمال ورود بعض الأمثلة في كلامهم على المعنى الأوّل كقول الأمير لوزيره : « قل لفلان : افعل كذا » وبعضها على المعنى الثاني كقوله : « مر عبدك بأن يتّجر ».
وأنت خبير بأنّ هذا الخلاف مع سخافته في نفسه ينافيه التصريحات ، مضافا إلى الأدلّة والثمرات.
وثانيهما : كونه أمرا بالقياس إلى متعلّق متعلّقه وعدمه ، فيكون معنى القضيّة حينئذ هل الأمر بالصيغة بالأمر بشيء يفيد مفاد الأمر بذلك الشيء أو لا؟ وهذا هو الموافق للذوق والاعتبار ، الصالح لكونه محلاّ للخلاف بين اولي الأفهام والأنظار ، مع انطباق الامور المذكورة بأجمعها عليه.
ولكن ينبغي أن لا يراد بالإفادة ما هو من مقتضي الوضع ، لبداهة أنّ قولنا : « مر » أو « قل » لا يفيد باعتبار الوضع إلاّ الطلب المتعلّق بالحدث المدلول عليه بمادّة الأمر أو القول حتما أو مطلقا على الخلاف ، وإنّما المراد بها ما هو بطريق الدلالة بالالتزام لدخول المطابقة والتضمّن في الوضع المنفيّ هنا.
فيحرّر النزاع حينئذ بأنّه لو أمره بأن يأمر زيدا بقتل عمرو فهل يدلّ ذلك على أنّه قد طلب من زيد قتل عمرو طلبا حتميّا مطلقا ، بحيث يكون زيد مأمورا بذلك الأمر ومكلّفا بما تعلّق به الأمر المأمور به دلالة التزاميّة أو لا دلالة له على ذلك أصلا؟ مع احتمال كون النزاع في وضع هذه الهيئة التركيبيّة الكلاميّة المشتملة على الأمر بالأمر وليس ببعيد ، ولا سيّما بملاحظة تمسّك أصحاب القول بكونه أمرا بالتبادر على الإطلاق ، مع اعتراض الخصم عليه : بأنّه لو اريد به التبادر بلا قرينة فغير مسلّم ومعها فغير نافع.
وبما ظهر من التقرير ينقدح أنّ النزاع جار على جميع الأقوال في وضع الصيغة ، إلاّ أنّ الظاهر ممّن تعرّض لعنوانه والبحث عنه ممّن تقدّم الإشارة إليه اختصاصه بالقول بكونها للوجوب.
وعليه يمكن تعدية النزاع عن معناها الحقيقي وهو الوجوب إلى معناها المجازي من ندب وغيره ، بمعنى أنّه إذا قامت قرينة على عدم إرادة الوجوب منها فهل إرادة المعنى المجازي الخاصّ منها بالقياس إلى متعلّقها يلزمها إرادة ذلك المعنى المجازي منها بالقياس إلى متعلّق متعلّقها أو لا؟
ويرشدك إلى ذلك ما ذكروه من ثمرات المسألة من قوله : « مروهم بالصلاة وهم أبناء