من باب الأمر بالأمر في شيء بل هو أمر بالتوكيل ، وهو عقد مشتمل على إيجاب وقبول فيكون الأمر به نظير الأمر بسائر الأفعال الخارجيّة.
واستدلّ على المدّعى بالتبادر ، فإنّ المتبادر كون المأمور به مطلوبا من الثالث من جانب الآمر الأوّل ، وكون أمر الواسطة من باب التبليغ.
وفيه : إن اريد به ما ذكرنا من الدلالة بالالتزام فهو ، وإلاّ فيردّه أنّ الصيغة لا وضع لها إلاّ بإزاء طلب ما يطلب من الواسطة ، إلاّ أن يراد به وضع الهيئة بالتقريب المتقدّم ، فيتوقّف ما بالنسبة إليه من الردّ والتسليم إلى زيادة تأمّل.
وبعدم صحّة السلب بدعوى : أنّه لا يصحّ أن يقال : بأنّه ما أمره بذلك بعد العلم بالواسطة ، وإن كان إطلاق لفظ « أمره » ينصرف إلى صورة عدم الواسطة.
وببناء العرف على ذمّ المأمور الثالث فيما لو علم بأمر الأوّل ولم يفعله ، وإن لم يكن علمه عن إبلاغ الواسطة ، بل لو اعتذر حينئذ في ترك الامتثال بأنّ الواسطة لم يأمره لم يسمع منه عند العقلاء.
وبإطباق العقلاء على ذمّ الآمر الأوّل فيما لو عاقب الثالث الآتي بالمأمور به بعد العلم به من غير جهة إبلاغ الواسطة ، قائلا له : بأنّك لم أتيت بالمطلوب قبل أن يأمرك الواسطة.
وباتّفاق المسلمين على كون أوامر الرسول صلىاللهعليهوآله من جانبه تعالى ، مع أنّه صلىاللهعليهوآله قد أمر بواجبات كثيرة ولم يقل : إنّ الله تعالى أمركم بها ، وكذا اتّفاق الخاصّة على أنّ أوامر الأئمّة عليهمالسلام من الله تعالى مع أوامرهم بمثابة أوامر النبيّ صلىاللهعليهوآله وليس ذلك إلاّ لأنّ الأمر بالأمر أمر.
وربّما يتأمّل في الأخير بأنّ ذلك من جهة قيام دليل خارجي عليه ، كما يشهد به قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ )(١) ومحلّ البحث دلالة نفس الأمر عليه عند فقد القرينة ، فأوامرهم صلوات الله عليهم من قبيل أن يقول : « مر زيدا من قبلي بالأمر الفلاني » وهو خارج عن محلّ النزاع لوجود القرينة وهو لفظة « من قبلي ».
وقد يجاب عنها أيضا ـ كما في كلام بعض الأعاظم ـ : بخروجها عن محلّ الكلام لظهور إرادة التبليغ فيها ، ومحلّ الكلام ما لو كان مجرّدا عن القرينة ، ومنه ما لو لم يظهر إرادة التبليغ بل يظهر عدمه ، فلذا نقول فيها (٢) بذلك ، ونجعل عبادة الصبيّ شرعيّة لا تمرينيّة لغلبة
__________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) هكذا كانت العبارة في الإشارات : « فلذا نقول في أوامر النبيّ والأئمّة عليهمالسلام والأولياء ونحوه ... الخ ».