إرادة التبليغ في أوامر الشارع.
وفيه : أنّ الاعتراف بظهور إرادة التبليغ منها كرّ على ما فرّ إن كان المراد به ظهورها عن نفس اللفظ ، ودعوى أنّ محلّ الكلام ما لم يظهر فيه إرادة التبليغ لا شاهد لها ، بل بظاهرها مقطوع بفسادها على القول بكون الأمر بالأمر أمرا ، ضرورة أنّ أمر الأوّل لا يظهر كونه أمرا بالنسبة إلى الثالث إلاّ على تقدير كون الثاني الّذي هو الواسطة مبلّغا محضا فهما متلازمان.
ومن البيّن عدم تعقّل تحقّق أحد المتلازمين بدون الآخر ، فإنّ ظهور كون الواسطة مستقلاّ في الأمر في معنى ظهور عدم كون ذلك أمرا من الأوّل ، فمع اعتراف القائل بكونه أمرا كيف يعقل منه القول بذلك.
نعم لو كان ظهور إرادة التبليغ من خارج لا من نفس الأمر فدعوى الخروج عن محلّ الكلام متّجهة.
وأمّا التمسّك بغلبة إرادة التبليغ في أوامر الشارع فإنّما يصادم الاستدلال بالنسبة إلى غير مورد الغالب ، فيقال في ردّه حينئذ : بأنّ فهم إرادة التبليغ فيه من جهة الغلبة المذكورة لا من جهة الأمر بنفسه كما هو المتنازع ، والاستدلال يتمّ بالنسبة إلى مورد الغالب الّذي ظهر فيه إرادة التبليغ ، امتناع تحقّق غلبة اخرى بالنسبة إليه كما لا يخفى.
إلاّ أن يتشبّث لدفعه فيه أيضا بدعوى قيام قرينة اخرى غير الغلبة من قرينة حال أو مقال ، كما تقدّم الإشارة إلى دعوى قيامها من جهة قوله تعالى : ( يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ )(١) التفاتا إلى أنّه أوجب ظهور إرادة التبليغ في أوامره تعالى المتوجّهة إلى النبيّ ، بأن يأمر العباد بالواجبات من العبادات وغيرها لا نفس تلك الأوامر.
وممّا يتفرّع على القولين ما لو قال المالك لأحد : « مر زيدا ببيع داري » فعلى الأوّل يجوز له التصرّف قبل أن يبلغه أمر الواسطة دون الثاني ، وعليه فلو تصرّف فهل ينفذ أو لا؟ مبنيّ على القولين.
ومن الفروع أيضا شرعيّة أعمال الصبيّ نظرا إلى قول النبيّ المتقدّم وعدمها.
وقد يورد عليه : بأنّها ليست متفرّعة على القول بكون الأمر بالأمر أمرا ، لثبوتها بما تقدّم الإشارة إليه من غلبة إرادة التبليغ في أوامر الشارع ، مضافا إلى كونها مقتضى ديدن الأكابر والعظماء ، ولا سيّما فيما بنيت أحكامه على العموم كالشرع ، ولدلالة أخبار كثيرة عليه.
__________________
(١) المائدة : ٦٧.