استطعتم ، من دون فرق بين تفسيره بالفرد أو القدر بمعنى الجزء ، كما يشهد به ما قبله على ما روي من أنّه خطب رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : « إنّ الله كتب عليكم الحجّ ، فقام عكاشة ويروى سوادة بن مالك ، فقال : أفي كلّ عام يا رسول الله صلىاللهعليهوآله؟ فأعرض عنه حتّى عاد مرّتين أو ثلاثا ، فقال : ويحك وما يؤمنك أن أقول : نعم؟ والله لو قلت : نعم لوجب ، ولو وجب ما استطعتم ، ولو تركتم لكفرتم ، فاتركوني ما تركتكم ، وإنّما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ».
قلت : الرواية بضعف سندها قاتلة لنفسها ، مع ابتناء نهوضها دليلا على ثبوت مقدّمات متعارضة بمثلها ، وظهور السياق فيما يدفع المعارضة من ظهور كلمة « ما » في كونها وقتيّة مصدريّة معارض بظهور ما يقضي بكونها موصولة أو موصوفة ، مرادا بهما الفرد أو القدر بمعنى الجزء ، المنطبق على الأوّل على مفاد قوله : « الميسور لا يسقط بالمعسور » من عدم سقوط الواجب بتعذّر أو تعسّر بعض أفراده مع التمكّن عن بعض آخر كالصلاة قياما وقعودا مثلا ، وعلى الثاني على مفاد قوله : « ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه » من انتقال الوجوب عن الكلّ المتعذّر أو المتعسّر إلى ما تيسّر من أجزائه ، وهو لفظة « منه » لظهوره في مفعوليّة « ما » وهي لا تلائم كونها وقتيّة ، كيف ولو لا ذلك لكان الواجب تركها بتعدية الفعل إلى مفعوله بنفسه كما لا يخفى ، فتكون الرواية سبيلها سبيل المجملات فلا تصلح للاستناد إليها لو سلّمت عن المناقشة من حيث السند ، ومن حيث ظهور سياقها فيما ذكر ، وإلاّ فهو أيضا في حيّز المنع.
وأمّا ما قد يتوهّم من إمكان ابتناء ذلك على التخيير بين الأقلّ والأكثر ، فالأكثر من المرّة الاولى إنّما يجب لكونه أحد فردي الواجب التخييري.
فيدفعه : أنّ التخيير إن اريد به ما كان من قبل الآمر.
ففيه : الجزم بانتفائه ، لانتفاء ما هو من لوازمه نظرا إلى أنّ التخيير الآمري يستلزم اعتبار الترديد في القضيّة الصادرة منه في مقام الإنشاء كما يشهد به الطريقة الجارية في المحاورة ، وخلوّ القضيّة المبحوث عنها عمّا يفيده ممّا لا شبهة فيه ، أمّا لفظا فظاهر ، وأمّا معنى فلعدم مساعدة العرف بانفهامه بشيء من وجوه الدلالات.
وإن اريد به ما كان من قبل العقل.
ففيه : أنّ العقل لا قضاء له في محلّ البحث إلاّ بلزوم إيجاد فرد مّا من أفراد الطبيعة