من باب الوضع للقدر المشترك بين التكرار والمرّة ، أخذا بموجب ما ينفي التفات الواضع إلى ما زاد عليها من الخصوصيّتين ، لكونه زائدا على ما هو القدر المتيقّن حدوثه منه من الالتفات إليها.
ولا يرد عليه : أنّ الالتفات يقيني ومتعلّقه مشكوك فيكون من باب الشكّ في الحادث المانع عن جريان الأصل ، لأنّ المتيقّن تعلّقه بالماهيّة لتحقّقه مع جميع الاحتمالات ، وإنّما الشكّ في تعلّقه بما زاد عليها من أحوالها أو أفرادها فينفى بالأصل لكونه حادثا مسبوقا بالعدم الأزلي.
ولا يقال تشكيكا : بأنّ بناء العرف في مثل ذلك غير ثابت على الاعتبار ، بل الثابت خلافه ، لثبوت ذلك البناء منهم كما يظهر لمن تأمّل في مظانّ عملهم.
الثالثة : النظر في الاصول العمليّة الفقاهيّة ، وإنّما ينظر ذلك بالنسبة إلى دوران الأمر بين كلّ احتمالين من الاحتمالات الجارية على جميع الأقوال ، والصور في ذلك كثيرة جدّا (١).
منها : الدوران بين الماهيّة والتكرار التقييدي أو الاستقلالي ، وقضيّة الأصل فيهما البناء على الماهيّة المستلزمة للامتثال بالمرّة ، لرجوع الأوّل إلى الأقلّ والأكثر الارتباطيّين كرجوع الثاني إلى الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين ، فينفى وجوب الزائد فيهما بأصالة البراءة.
أمّا في الثاني فواضح من حيث سلامتها عن معارضة غيرها ، للقطع بارتفاع الأمر والاشتغال المقطوع بهما بالنسبة إلى الأقلّ بعد الإتيان به ، نظرا إلى عدم ارتباطه بالزائد فلا يبقى بالنسبة إليه إلاّ شكّ صرف فينفيه الأصل.
وأمّا الأوّل فلما سيأتي في محلّه من البناء على الأصل فيه ، كما شكّ في جزئيّته أو شرطيّته للعبادة أو المعاملة ، ولا يقدح فيه ورود استصحاب الأمر في غير المعاملة مضافا إلى قاعدة الاشتغال على خلافه ، لوروده عليهما في خصوص المقام الّذي يضبطه كون الشكّ الّذي هو العمدة من أركانهما مسبّبا عن الشكّ المتعلّق بما ينفيه الأصل وإن كانا واردين عليه في سائر المقامات ، فلذا ترى المحقّقين مع اعترافهم بقضيّة الورود بنوا في المسألة المشار إليها
__________________
(١) واعلم أنّ الصور المتصوّرة في المقام يرتقي إلى ثمانية وسبعين ، إذ المرّة لها احتمالات خمس كما تقدّم ، وعلى جميع التقادير فالمراد بها إمّا الفرد أو الدفعة ، والحاصل من ضرب الاثنين في الخمسة عشرة ، والتكرار له احتمالان فيحصل بانضمامهما إلى العشرة مع انضمام الماهيّة إليها ثلاثة عشرة ، ومضروب كلّ منها في آخر بعد اسقاط المكرّرات ما ذكر من العدد. وطريقه ملاحظة الماهيّة مع الاثني عشر الباقي ، ثمّ أحد احتمالي التكرار بعد إسقاط الماهيّة مع الأحد عشر الباقي ، ثمّ الاحتمال الآخر بعد إسقاط الاحتمال الأوّل مع العشرة الباقي ، وهكذا إلى آخر المراتب ، وضابطه جمع الآحاد المترتّبة من الواحد إلى اثني عشر فيرتقي المجموع إلى ما ذكر كما لا يخفى. ( منه عفي عنه ).