ثمّ إنّه لا خفاء في أنّه ليس المفهوم من الأمر إلاّ طلب إيجاد الفعل * أعني
__________________
لا يدلّ على الخاصّ » كما يشهد به الوجدان المقرون بالضرورة والعيان ، فإنّ المراد بالموصوف هو الذات المعرّاة عن جميع تلك الصفات القابلة لتوصيفها بكلّ منها على نحو البدليّة ، وظاهر أنّها إذا لو حظت بهذا الاعتبار تكون بالنظر إلى صفاتها المجرّدة عنها أعمّ ، فتسقط عن الدلالة على شيء خاصّ منها.
ولكن لا يذهب عليك أنّ التقابل فيما بين المرّة والتكرار إنّما يتحقّق إذا اخذت المرّة بشرط لا ، كما يومئ إليه ما في كلام المصنّف من التعبير عنهما (١) فيما لو اخذا قيدين للمصدر بـ « المكرّر وغير المكرّر » فقد أصاب بعض الأفاضل حيث تنبّه على ذلك ، ضرورة أنّ المرّة المأخوذة لا بشرط لا تنافي بينها وبين التكرار حتّى يندرجا في المتقابلين ، لما يقال : من إنّ اللا بشرط لا ينافيه ألف شرط.
فمن هنا يتوجّه إلى المصنّف أنّ الاحتجاج إنّما يستقيم إذا كان المرّة في إرادة القائل بها هي المرّة بشرط لا دون غيرها ، ولقد تقدّم أنّها في كلام هذا القائل محتملة للمرّة اللا بشرط أيضا ، إلاّ أن يدفع ذلك باستفادة هذا المذهب له عن قوله المقابل للقول بالتكرار بقرينة المقابلة القاضية بذلك.
وأنت خبير بأنّه في غاية الإشكال ، إذ التقابل فيما بين الأقوال لا يجب أن يكون كالتقابل فيما بين الأشياء المتضادّة الّذي هو المراد بالاحتجاج جزما ، بل المدار فيها على الاختلاف بوجه مّا ولو بالاعتبار لا على التقابل المصطلح ، وإلاّ لانحصر القول في غالب الخلافيّات في اثنين وهو كما ترى.
نعم ، يمكن تتميم الاحتجاج بعدم القول بالفصل إن تمّ.
* هذا استدلال بالتبادر على أصل المدّعى بعد إحراز خلوّ الفعل المدلول عليه بالمصدر بما هو فعل عن الدلالة على خصوص المرّة أو التكرار.
فقد تقرّر من جميع ما تقدّم ابتناء ثبوت المدّعى على الاستدلال بالتبادر ، وابتناء تماميّة الاستدلال على خروج المرّة والتكرار عن الفعل المعبّر عنه بالمعنى المصدري بدلالة أحد الامور الثلاث عليه : من عدم تبادرهما عن المصدر ، أو تقييده بهما القاضي بكونه وضعا للأعمّ منهما ، أو الاتّفاق المنقول عن السكّاكي في المفتاح على أنّ المصادر
__________________
(١) في الأصل : « عنها » والصواب ما أثبتناه كما يقتضيه السياق.