أعني المصدر ، كالقليل والكثير ؛ لأنّك تقول : اضرب ضربا قليلا ، أو كثيرا ، أو مكرّرا ، أو غير مكرّر ، فتقيّده بالصفات المختلفة *. ومن المعلوم أنّ الموصوف بالصفات المتقابلة لا دلالة له على خصوصيّة شيء منها **.
__________________
و « اضرب ضربا كثيرا ».
* وتقييد الشيء بالصفات المختلفة دليل بحسب العرف والعادة على عدم مدخليّة شيء من تلك الصفات في حقيقة ذلك الشيء وذاته ، كما أنّ صحّة اعتبار تلك الصفات مع اللفظ ظاهرة في كونها قيودا لمعناه الحقيقي ، ظهورا كاشفا في نظر العرف عن كونه وضعا للقدر المشترك بينها ، ولعلّه من جهة الاستقراء وتحقّق الغلبة في نظائر المقام ، فلا ينافيه ما يتحقّق في بعض الأحيان من تقييده بصفات يرجع بعضها إلى المعنى الحقيقي وبعضها إلى المعنى المجازي كتقييد « الأسد » بالافتراس والرمي ، وتقييد « الماء » بالإطلاق والإضافة.
كما أنّ صحّة تقسيمه إلى الأقسام المتبائنة ظاهرة في نظر العرف والعادة باعتبار الاستقراء والغلبة في كونه بإزاء القدر المشترك فيها ، فلا ينافيه ما في بعض الأحيان من التقسيم إلى المعنى الحقيقي والمجازي كتقسيم « الأسد » إلى المفترس والشجاع.
فما يقال : من أنّ تقييد المصدر بالصفات المتقابلة لا يفيد كونه حقيقة في الأعمّ إذ قد يكون التقييد قرينة على التجوّز ، فصحّة التقييد بالقيدين دليل على جواز إرادة الأعمّ وصحّة الإطلاق عليه وهو أعمّ من الحقيقة ـ كما في الهداية ـ فهو مناقشة في غير محلّها ، إذ الحكم مبنيّ على الظاهر والغالب ، ولا ينافيهما الاحتمال المرجوح النادر.
نعم ربّما يقدح ذلك فيما ادّعاه المصنّف من القطع بالدعوى بمجرّد تلك القاعدة كما لا يخفى ، من غير أن يقدح في أصل الحكم المبتنى على الظنّ والظهور ، لكون موضوعه ممّا يدور وجودا وعدما على الظنون الاجتهاديّة والظهورات العرفيّة.
ولو اعتبر في الاحتجاج مقدّمة اخرى بأن يقال : إنّ المصدر يصحّ تقييده بالصفات المتقابلة من دون انفهام تعارض ولا تأكيد ، لارتفعت تلك المناقشة أيضا ، وأفادت القضيّة المشتملة على التقييد القطع بالمطلوب كما لا يخفى ، ولعلّها مطويّة في كلام المصنّف.
ويمكن أن يراد بالقطع [ القطع ] العرفي الغير المنافي لاحتمال الخلاف الموجب لرفع الحاجة إلى التوجيه المذكور.
** والسرّ في ذلك ما هو المعروف في الألسنة من قضيّة قولهم : « العامّ بمجرّده