أصلا كما لا يخفى.
والجواب عن حجّة القول الثالث فممّا قرّره بعض الأعاظم : بأنّ تبادر العلوّ مسلّم دون الاستعلاء جدّا ، كما أنّ صحّة السلب عن العاري عن العلوّ مسلّمة دون العاري عن الاستعلاء مع تحقّق العلوّ ، كيف وأنّه يقضي بصحّة سلبه عن طلب العاري الغافل عن علوّه إذا كان على سبيل الحتم والإلزام وهو كما ترى.
وإطلاق دعوى صحّة ذلك عن طلب العالي بتذلّل بمكان من المنع ، فإنّ العالي قد يتذلّل في طلبه مع أنّه قاصد للحتم والإلزام ، فيصدق عليه أنّه « أمر » حقيقة من دون أن يعتريه شكّ وريب.
وما يرى من صحّته في بعض الأحيان فإنّما هو لأجل انتفاء هذا القيد لا لعدم الاكتفاء بمجرّد العلوّ وخلوّ المقام عن الاستعلاء ، فلذا صار الأكثرون إلى عدم اندراج الندب في « الأمر » وسيأتيك ما يقضي باعتباره مع العلوّ في صدق « الأمر ».
ومن ذلك يتّضح الجواب عمّا قرّره بعض الأفاضل من الاحتجاج على هذا القول وعمّا احتجّ به على ما اختاره من القول الرابع ، بضميمة ما تقدّم في ردّ ما أجاب به عن حجّتي القول الثاني ، فإنّ ظهور « الأمر » عرفا في علوّ الآمر مسلّم ولكن عدم صدقه على الإطلاق ومع استخفاضه لنفسه في حيّز المنع.
والوجه ما ذكرنا ، وصحّة القول على الداني الطالب عن العالي استعلاء بأنّه ليس من شأنك أن تأمر من هو أعلى منك ، أظهر دلالة على اعتبار العلوّ في « الأمر » وعدم الاكتفاء بمجرّد الاستعلاء ، فإنّه في معنى القول بأنّه ليس من شأن طلبك عمّن هو أعلى منك أن تطلق عليه « الأمر » وإن تزعمه في نفسك أمرا بادّعاء العلوّ الكاشف عنه لفقدانك ما هو مناط الصدق الحقيقي من العلوّ الحقيقي فيكون ذلك من صحّة السلب الّتي جعلت من أقوى الأمارات.
والجواب عن حجّة القول الخامس : بمنع اعتبار القياس في اللغات باتّفاق المخالف والمؤالف ، ولا سيّما مع وضوح الفارق بين المقيس والمقيس عليه ، كيف وإنّه لو صحّ ذلك لقضى بعدم دخول الصدق والكذب في مفهوم الخبر أو دخولهما في مفهوم « الأمر » أيضا وهو كما ترى ، مع أنّه مبنيّ على ما أفسدناه رأسا من كون « الأمر » من مقولة الكلام ، وعليه يخرج المقام عن كونه من مجاري القياس لاشتراطه بوجود الجامع بين طرفيه ، ولا جامع بين ما يكون من مقولة الألفاظ وما هو من مقولة المعاني كما لا يخفى ، ومنع دلالة الآية