انطباق عبارته على مذهبه أن يكون مراده بالضدّ في الشقّ الأوّل المتضمّن لمنع كون الأمر بالشيء نهيا عن ضدّه أعمّ من الضدّ العامّ ، نظرا إلى أنّ نفي المطلق غير مناف لاثبات المقيّد ، لا الضدّ العامّ خاصّة لمنافاته لمذهبه ، فسياق العبارة حينئذ تقييد الضدّ فيها بالإطلاق بزيادته مضافا إلى المصدر ، أو زيادة المطلق وصفا للضدّ ، فإرسالها خالية عن ذلك سياق غير مستحسن.
ولو اريد بالضدّ الخاصّ لارتفع هذه الحزازة مع عدم لزوم التنافي لمذهبه ، ولكنّه يوجب خروج قوله : « أو تخصيصه بالضدّ العامّ » عطفا على التسليم غير مرتبط بما قبله كما لا يخفى ، لأنّه إنّما يحسن على تقدير إرادة الإطلاق من الضدّ في الشقّ الأوّل.
وكيف كان فالعبارة في أحد شقّيها لا تخلو عن حزازة ، إلاّ أنّ مقصوده على كلّ تقدير واضح ، بعد ملاحظة أنّه يريد الترديد في الضدّ بين كون المراد منه المطلق أو العامّ بمعنى الترك خاصّة.
فعلى الأوّل يتوجّه إليه أوّلا : المنع عن كون الأمر نهيا عنه.
وثانيا : المنع من كون ذلك النهي ـ على فرض تسليمه ـ للدوام.
وعلى الثاني يختصّ الجواب بالمنع الثاني ، والوجه في ذلك : أنّ الدوام الّذي يستفاد من النهي ما كان مدلولا عليه بالصيغة ، نظرا إلى وضعها له ـ كما قد يتوهّم ـ أو لكونها لنفي الطبيعة المستلزمة له ـ كما هو التحقيق بالتقريب المتقدّم ـ والنهي الّذي في ضمن الأمر لا يكون مستفادا عن الصيغة حتّى يلزم منه دوام الترك بأحد الوجهين ، بل هو مستفاد عن الأمر بأحد الوجوه الآتية في محلّه.
ومن البيّن أنّ كون المطلوب منه دوام الترك فرع كون المطلوب بالأمر دوام الفعل ، كما أنّ كون المطلوب بالأمر فعل المأمور به في ساعة مثلا يستلزم كون المطلوب به ترك الضدّ في تلك الساعة ، فإذا لم يثبت كون الأمر للدوام فكيف يستدلّ على كونه للدوام بكون النهي الّذي في ضمنه للدوام.
ومن هنا يتبيّن جواب آخر عن الاستدلال من جهة كونه دوريّا كما لا يخفى.
لا يقال : لو كان ذلك النهي لطلب ترك الطبيعة ، كما هو لازم قولكم : « بأنّ الأمر لطلبها » لكان مقتضيا للدوام ، لأنّ ترك الطبيعة لا يتحقّق إلاّ به كما اعترفت به مرارا ، إذ النهي المذكور في ذلك أيضا يتبع الأمر لكونه مستفادا منه ، ولمّا كان الأمر لا يقتضي أزيد من