والجواب : أنّه إنّما صار ممتثلا ، لأنّ المأمور به ـ وهو الحقيقة ـ حصل بالمرّة ، لا لأنّ الأمر ظاهر في المرّة بخصوصها ، إذ لو كان كذلك لم يصدق الامتثال فيما بعدها *.
__________________
واضح ، [ حتّى ] يصلح للاستناد إليه ، ولو سلّم فأقصى ما يفيده عدم الدلالة على التكرار وأمّا دلالته على المرّة فلا ، وإنّما يفيد مطلق الطبيعة فينبغي أن يكون الأمر أيضا كذلك ، فهو بالحقيقة من شواهد القول بالطبيعة.
وثالثها : أنّ صيغة الأمر إنشاء كسائر الإنشاءآت من العقود والإيقاعات ، وكما أنّ الحاصل من قولك : « بعت » و « أجرت » و « أنت طالق » ليس إلاّ بيع واحد ، وإجارة واحدة ، وطلاق واحد ، فكذا الحاصل من قولك : « اضرب » ليس إلاّ طلب ضرب واحد.
وجوابه : ـ مع أنّه قياس ومع الفارق من وجوه شتّى (١) كما لا يخفى على المتأمّل ـ واضح بعد ملاحظة الفرق بين المنشأ وما يتعلّق بالمنشأ ، ومعلوم أنّ الوحدة في « اضرب » ونحوه وصف في المنشأ وهو الطلب ، ضرورة أنّه لا يقصد منه إلاّ طلب واحد ، كما أنّها في الأمثلة المذكورة وصف للمنشأ وهو البيع وغيره من المعاني المادّية ، ووحدة الطلب لا تلازم وحدة المطلوب ، كما أنّ وحدة البيع لا تلازم وحدة المبيع ، وموضع النزاع هو الثاني والدليل لا يوجبه ، وكأنّ الاستدلال به إشتباه في موضع الخلاف أو خلط بين المنشأ ومتعلّقة.
ورابعها : لو حلف ليصلّينّ أو يصومنّ عدّ ممتثلا بالمرّة.
وفيه : قضاؤه بانتفاء التكرار ، وهو أعمّ من ثبوت المرّة ، ولعلّ الاكتفاء بها من جهة اكتفاء الطبيعة الّتي تعلّق بها الحكم بها في وجودها الخارجي لا من جهة ظهور الصيغة فيها ، مع أنّه لا ربط له بمحلّ البحث لكونه حكما في غير صيغة الأمر كما لا يخفى ، وقياسها عليه باطل بما تقدّم مرارا.
* والأوّل منع لما تضمّنه الاستدلال من ظهور الأمر في المرّة الّتي يكشف عنها حصول الامتثال بها.
__________________
(١) عمدة وجوه الفرق : أنّ الانشائيّة في المقيس عليه إنّما نشأت عن وضع جديد شرعي ، فلذا يعتبر فيها من الشرائط ما لا يعتبر في المقيس أصلا ، ولعلّ اعتبار الوحدة فيها نشأ عن ذلك الوضع باعتبار الشارع وهو ليس من المتنازع فيه في شيء كما لا يخفى. ( منه عفي عنه ).