فإفادته الأمر المعلّق بطريق أولى ، لما في التعليق من مظنّة التكرار ما ليس في انتفائه ، وكأنّه مستند المصرّحين باختصاص النزاع بغيرهم ، إلاّ أنّ دقيق النظر قاض بجواز دخولهم في النزاع أيضا ، لوضوح الفرق في التكرار بين ما يفيده الأمر المطلق وما يفيده الأمر المعلّق ، فإنّ المراد بالأوّل ـ على ما تكرّر بيانه سابقا ـ الاستمرار بفعل المأمور به حسب ما يسعه الإمكان عقلا وشرعا ، وبالثاني ـ على ما يستفاد عن مطاوي عباراتهم المصرّحة والمطلقة ـ تعدّد فعل المأمور به حسبما يتعدّد الشرط والصفة ، وهذا المعنى كما ترى أعمّ من الأوّل ، لأنّ الشرط والصفة قد يستمرّان في حصولهما ، وقد يتحقّقان في زمان دون آخر ، ومكان دون غيره ، وحالة دون اخرى ، وهذا ليس من التكرار الّذي يفيده الصيغة بحسب اللغة في شيء لخلوصه عن التقييد بما ذكر ، فالتعليق في الحقيقة مخرج لها عن إفادة معناها اللغوي.
فيأتي النزاع حينئذ في أنّه هل يوجب إفادتها التكرار على حسب ما يتكرّر الشرط أو الصفة إن دائما فدائم وإن أحيانيّا فأحياني أولا؟ فيرجع النزاع عند هؤلاء إلى تعيين المعنى المجازي للصيغة الدائر بين التكرار بهذا المعنى والمرّة والماهيّة إن لم نجعله في وضع الصيغة أو وضع الهيئة التركيبيّة ، بل في صلوح التعليق قرينة صارفة لها عن موضوعها الأصلي.
فمن هنا يتبيّن فساد ما نقلناه عن بعض الأعاظم من توهّم ظهور الثمرة في الترجيحات بتعدّد دليل التكرار على القول به في المقامين ، واتّحاده على القول به في أحدهما ، كفساد (١) ما ذكره بعض الأعلام في العنوان على ما أشرنا إليه إجمالا من أنّ الأمر المعلّق على شرط أو صفة يتكرّر بتكرّر الشرط أو الصفة عند القائلين بدلالته على التكرار قولا واحدا لوجود المقتضي وعدم المانع ، غاية الأمر تقليل التكرار بالنسبة إلى الأمر المطلق.
كما ينقدح ممّا أشرنا إليه أنّ في كون النزاع في وضع الصيغة عند وقوعها في حيّز التعليق ، أو في الهيئة التركيبيّة المشتملة على التعليق ، أو في ظهور التعليق في إرادة التكرار بتكرّر المعلّق عليه ، إحتمالات لم يصرّح بشيء منها في كلامهم ، مع عدم ظهور الأدلّة في شيء منها ، إلاّ أنّ الأوّل يبعّده الجزم بأنّ اللفظ لا يختلف وضعه باختلاف محالّه في الاستعمال ، إلاّ أن يرجع ذلك إلى احتمال طروّ وضع جديد لها عرفا ، حيثما علّقت على شرط أو صفة تعيينا أم تعيّنا ، فيدفعه : حينئذ الأصل السليم عن المعارض المعمول به عند
__________________
(١) وجه الفساد ما في آخر كلامه من التعليل بوجود المقتضي وانتفاء المانع ، فإنّ ذلك لا ينطبق على ما ذكرناه بل مناف له. ( منه ).