وكيف كان فلو ثبت القول المذكور فهو مقطوع الفساد ، إذ كون أداء المأمور به على وجه الفور قاضيا بأداء الواجب ممّا يشهد به الضرورة بعد الرجوع إلى العرف.
فقد تبيّن ممّا قرّرنا أنّ أصحاب القول بالتراخي على تقدير ثبوت القول المذكور بين قائل بالجواز وقائل بالوجوب.
ومنها : قول بالاشتراك بين الفور والتراخي ، حكاه في المنية عن الواقفيّة وعزاه المصنّف وغيره إلى السيّد.
وفي الكواكب حكى ذلك عن السيّدين المرتضى وابن زهرة وإن نسب إلى الذريعة والشافي القول بوضعه للماهيّة أيضا.
وفي الهداية : احتجاجه في الذريعة باستعماله في الفور والتراخي وظهور الاستعمال في الحقيقة يشير إليه ، إلاّ أنّ كلامه في تحرير المذهب صريح في اختياره القول بالطبيعة.
ويمكن حمل احتجاجه بما ذكر على أنّ طلب ترك الطبيعة على سبيل الفور أو التراخي نحو من الطلب ، وعلى القول بوضعه لمطلق الطلب يكون كلّ من الإطلاقين حقيقة فيوافق أصالة الحقيقة ، بخلاف ما لو قيل بوضعه لخصوص أحدهما ، فالمقصود إذن بيان أصالة الحقيقة في كلّ من الإطلاقين لا فيما إذا استعمل في خصوص كلّ منهما ، فإنّ ذلك غير معلوم ولا مفهوم من كلامه فلا يكون ما ذهب إليه قولا بالاشتراك ، إلاّ أنّه ذهب إلى حمل الأوامر على الفور كحملها على الوجوب ، نصّ عليه في بحث دلالة الأمر على الوجوب أو غيره وظاهره كونه حقيقة شرعا في خصوص الفور ، فيكون إذن مذهبا آخر إلاّ أنّه يندرج في جملة أقوال القائلين بالفور.
أقول : ولعلّ ما نقله بعض الأعاظم من القول بالفور شرعا بحسب الوضع إشارة إلى ما أفاده ذلك الفاضل.
ومنها : القول بوضعه لطلب الماهيّة من دون دلالة على فور ولا تراخ ، ذهب إليه كافّة أجلّة المتأخّرين وفاقا للعلاّمة وشيخنا البهائي في التهذيب والزبدة ونسبه في الزبدة إلى المحقّق أيضا ، والكواكب ـ شرحها ـ (١) إلى شارحيها (٢) والفاضلين وثاني الشهيدين ،
__________________
(١) الكواكب الضيائيّة في شرح زبدة البهائيّة ـ للسيّد يوسف بن محمّد الحسينى الجنابذي القائني الخراساني الاصفهاني ( الذريعة إلى تصانيف الشيعة ١٨ : ١٨٠ ).
(٢) وللزبدة البهائيّة شروح وحواش كثيرة ، ذكر بعضها في الذريعة ( ١٣ : ٢٩٨ ).