دلالة الأمر عليه بالوضع.
وذهب بعضهم إلى دلالته عليه من جهة انصراف الإطلاق إليه.
وبعضهم إليه من جهة قيام القرائن العامّة عليه.
أقول : ويمكن إرجاع الجميع إلى الدلالة بحسب الوضع ، كما سنقرّره إن شاء الله تعالى.
ثمّ إنّهم بين قائل بوجوب الفور ، فإذا أخّر وعصى سقط الفور وبقى وجوب الفعل على إطلاقه من غير لزوم التعجيل ، فلا يعصى بالتأخير حينئذ إلى الثالث وما بعده.
وقائل بوجوب التعجيل أيضا ، فيعصى بالتأخير إلى الثالث ومنه إلى الرابع وهكذا.
وقائل بسقوط الفعل بالتأخير عن أوّل الأمر ، فإنّ كلّ ذلك محكيّ عنهم كما صرّح به الفاضل المذكور.
ومنها : قول بالتراخي وهو المحكيّ عن الجبائيّين وأبي الحسين البصري والقاضي أبي بكر ، وجماعة من الشافعيّة والأشعريّة كما في المنية ، لا بمعنى وجوبه بل جواز تأخير الفعل عن أوّل أوقات الإمكان.
وفي الكواكب : أنّهم اختلفوا في تفسيره فعند جماعة بمعنى أنّه لو بادر لم يكن ممتثلا وهو المنسوب إلى الجبائيّين وبعض الأشاعرة.
وفسّره بعضهم بجواز التراخي لا وجوبه ، بل نقل عن بعض إنكار القائل به فحينئذ يكون ثمرته ثمرة القول بالماهيّة.
وفي الهداية : المقصود به جواز التراخي دون وجوبه ، إذ لا قائل ظاهرا بدلالته على الوجوب.
نعم ربّما يحكى هناك قول بالوجوب حكاه شارح الزبدة عن بعض شرّاح المنهاج قولا للجبائيّين وبعض الأشاعرة ، لكنّ المعروف عن الجبائيّين القول بالجواز ، إلى أنّ قال : « فالقول المذكور مع وهنه جدّا ـ حيث لا يظنّ أنّ عاقلا يذهب إليه ـ غير ثابت الانتساب إلى أحد من أهل الاصول ».
نعم ربّما يقرّب وجود القائل به ويرفع الاستبعاد المذكور ما عزاه جماعة منهم الإمام والآمدي والعلاّمة إلى غلاة الواقفيّة من توقّفهم في الحكم بالامتثال مع المبادرة أيضا ، لجواز أن يكون غرض الآمر هو التأخير ، فإذا جاء التوهّم المذكور لا استبعاد في ذهاب أحد إلى وجوبه ، إلى أن قال : « لكن نصّ في الإحكام والنهاية بأنّ التوقّف المذكور خلاف إجماع السلف ».