إلاّ أنّه لا مانع عن كون نظرهم في الاستدلال به إلى توهّم كونه العلّة الباعثة للواضع على وضع الصيغة للفور.
فيرد عليهم : حينئذ أنّ ترجيح اللغة بالعقل غير سائغ ، مع أنّ القول بالوقف لا يصحّ توجيهه إلاّ إلى كونه وقفا في وضع الصيغة ، وإلاّ فالوقف من جهة المراد قد يتّفق حصوله لأصحاب القول بالماهيّة بل الفور والتراخي أيضا كما لا يخفى ، فيفوت المقابلة بينه وبينها وهو كما ترى.
الأمر الثالث : قد يتخيّل في بادئ النظر خروج القائلين بالتكرار عن هذا النزاع ، نظرا إلى أنّ محصّل المراد بالتكرار ـ على ما تقدّم تفصيل بيانه ـ الإتيان بالمأمور به في جميع أزمنة الإمكان فيندرج فيها زمان الفور أيضا في بعض تفاسيره ، ولعلّه الباعث على تخصيص الخلاف عند تحرير العنوان بغيرهم كما في الكواكب ، وعدّهم من القائلين بالفور كما في المنية.
وربّما يعلّل ذلك أيضا ـ مضافا إلى ما قرّرناه ـ بأنّه لو كان الفور مدلولا آخر للصيغة عندهم غير الدوام ـ على حسبما يجعله القائل بالمرّة ـ لزم اعتبار الدوام حينئذ بالنسبة إلى مصداق الفور لا إلى آخر أزمنة الإمكان ولا يقول به القائل بكونه للدوام ، واللازم حينئذ عدم كون الفوريّة مدلولا آخر للصيغة بل ليس مفاد الصيغة عنده إلاّ طلب طبيعة الفعل على وجه الدوام ويتبعه لزوم الفور.
ولكن الّذي يعطيه التأمّل ـ نظرا إلى ما قدّمنا تحقيقه من كون النزاع في دلالة الصيغة باعتبار الوضع ـ جواز دخولهم في النزاع أيضا ، لوضوح الفرق بين كون الشيء مدلولا التزاميّا خارجا عن الموضوع له أو تضمّنيا داخلا فيه ، فيرجع النزاع حينئذ إلى أنّ استفادة الفور عن الصيغة هل هي بطريق الدلالة بالالتزام ولو من جهة العقل المستلزمة لعدم كونه ملحوظا في نظر الواضع أصالة ، أو هي بطريق الوضع الموجب لكونه ملحوظا عند الوضع بالخصوص ، إلاّ أنّه على هذا التقدير يفوت (١) عليهم بلا فائدة كما لا يخفى.
وأمّا القول بأنّ القائل المذكور كما يقول بوجوب الفور كذا يقول بالتراخي أيضا بل بوجوبه ، تعليلا : بأنّه كما يحكم بوجوب الفعل في أوّل الأزمنة كذا يقول بوجوبه في آخرها فيتساوى نسبته إلى القولين ويكون قائلا بوجوب الفور والتراخي معا ، فواضح الفساد جدّا.
__________________
(١) كذا في الأصل.