والحقّ : أنّه لا ملازمة بينهما أصلا ، لا لما قيل (١) في دفع الإيراد المذكور من أنّ ما ذكر في حدّ الفعل إنّما هو بالنسبة إلى أصل وضع الأفعال ، وإلاّ فقد يكون الفعل منسلخا عن الدلالة على الزمان كما هو الحال في الأفعال المنسلخة عن الزمان ، فلا مانع من أن يكون فعل الأمر أيضا من ذلك.
أو أنّ المقصود بما ذكر في الاحتجاج عدم دلالة « الأمر » على خصوص الحال والاستقبال وذلك لا ينافي دلالته على القدر الجامع بينهما ، فيفيد طلب إيقاع الفعل في أحد الزمانين ومعه يحصل دلالته على الزمان ليتمّ به مدلول الفعل ، ولا يفيد خصوص شيء من الفور والتراخي ـ كما هو المدّعى ـ كما قرّره بعض الأفاضل ، لأنّ كلّ ذلك كلام قد وقع على خلاف التحقيق.
أمّا الأوّل : فلاتّفاقهم على حصر الأفعال المنسلخة فيما لا يكون المقام داخلا فيه ، كيف وأنّه لم يتعرّض لذكره معها أحد من علماء العربيّة ، بل المصرّح به في كلامهم خلاف ذلك كما عرفت في تقرير الاستدلال بما ذكروه.
والمفروض أنّ مجرّد الاحتمال غير كاف في الالتزام بما يخالف الأصل ، ولا سيّما إذا عارضه ما يصلح دليلا على الخلاف.
وأمّا الثاني : فلأنّ كون مدلول الفعل من الزمان هو القدر الجامع بين الزمانين غير منطبق على ما ذكره النحاة.
فإنّ ظاهرهم إعتبار الخصوصيّة في مدلول الفعل ، فلذا تراهم في حدّ الفعل يذكرون : « أنّه يدّل على أحد الأزمنة » وأنّهم اختلفوا في الفعل المضارع الواقع تارة على الحال واخرى على الاستقبال ، وصاروا على مذاهب ثلاث من اشتراكه بينهما لفظا وكونه حقيقة في أحدهما ومجازا في الآخر ، فكأنّ احتمال كون مدلول الفعل هو القدر الجامع بين الزمانين ساقط عندهم حيث لم يتفوّه به أحد منهم ، فكيف يؤخذ ذلك وجها للجمع بين قولهم وكلام المصنّف ، فإنّه عذر عمّن لا يرضى بالاعتذار به.
بل (٢) لأنّ الزمان المأخوذ في مدلول الأمر ظرف للطلب بل قيد له مخرج لما لا تنجّز له في حال الخطاب ، كما في الطلبات التعليقيّة الّتي يكون استعمال الأمر فيها مجازا ، والفور على فرض ثبوته في مدلوله قيد للحدث فلا يلزم من اعتبار الأوّل في مدلوله بحسب الوضع اعتبار الثاني فيه ، كما لا يلزم من انتفاء الثاني انتفاء الأوّل.
__________________
(١) كما في كلام بعض الأفاضل. ( منه ).
(٢) متعلّق بقوله : « لا لما قيل الخ ».