والفرق بين ما ذكره مع القول باعتبار العلوّ والاستعلاء معا في مفهوم « الأمر » أنّ دلالة « الأمر » على الاستعلاء التزاميّة على الأوّل لاختصاص وضعه بطلب العالي وهو ملزوم للاستعلاء ، وتضمّنيّة على الثاني ، وعلى هذا يكون ذلك قولا آخر مغاير للأقوال المتقدّمة.
والإنصاف : أنّ الاستعلاء ليس بمدلول من « الأمر » تضمّنا ولا التزاما ، أخذا بقضيّة صدقه على ما لم يلاحظ معه إظهار العلوّ وإفادته أصلا.
وفي كون الإلزام ملزوما للعلوّ فيكون أخذه في الحدّ كافيا عن اعتباره أوّلا وعدمه فيجب أخذهما معا وجهان ، من تفسير الإلزام بجعل الشيء لازما فلا يكون إلاّ من شأن العالي ، أو بطلب الفعل مع عدم الرضا بتركه فيعمّ المساوي والداني أيضا ، ولكن أجودهما الثاني لصدق الإلزام مع طلبهما عرفا دون جعل الشيء لازما.
وربّما يقال : بمنع اختصاص الإلزام بالمعنى الأوّل بالعالي ، لجواز صدوره من المساوي والداني أيضا ، كما لو التزم السيّد بانجاح حاجة عبده ولو بعهده وشبهه ، أو واعده على وجه يلزمه الوفاء به عقلا ، فإنّ الإلزام يتحقّق منه شرعا أو عقلا مع أنّه لا يصدق عليه « الآمر ».
وفيه : ما لا يخفى من ابتنائه على اشتباه الالتزام بالإلزام. ولا ريب أنّه التزام جاء من قبل المولى لا أنّه إلزام نشأ عن العبد ، إذ لا يقال : إنّ العبد قد الزمه بذلك.
فإن قلت : أنّ الالتزام بدون الإلزام ممّا لا يكاد يتعقّل ، لأنّه انفعال.
قلت : إنّما ينشأ الالتزام عن إلزام السيّد نفسه بعهده ومواعدته ، فالاعتماد على هذا الوجه إن كان ولابدّ لكان التمثيل له بالشروط المأخوذة في ضمن العقود ـ كأن يقول أحد المتعاقدين لصاحبه : « شرطت عليك كذا » ـ وما أشبه ذلك أولى ، لكونه في العرف عبارة عن الإلزام بذلك المعنى ، إلاّ أنّه غير مجد في دفع توهّم كفاية قيد الإلزام عن اعتبار العلوّ ، لعدم تحقّق تلك الإلزامات في حيّز الطلب ، والإشكال وارد على هذا التقدير ، لاختصاص الإلزام الناشئ عن الطلب بالعالي وبمثل ذلك يقال أيضا في مثال عهد السيّد لعبده وشبهه بناء على كونه إلزاما من العبد ، لعدم كونه ناشئا عن الطلب.
فيتوجّه إلى المنع المذكور حينئذ أنّ هذه الإلزامات إنّما خرجت بقيد « الطلب » فيبقى المناقشة بحالها لاختصاص الإلزام الطلبي بالعالي ، وإنّما يدفعها ما ذكرناه من منع تفسير الإلزام بما يوجب توجّهها ، ولذلك تراهم فرّقوا بين الإلزام واللزوم تفرقتهم بين الإيجاب والوجوب ، وهو كون الثاني خاصّا بطلب العالي دون الأوّل ، ولا يتمّ ذلك إلاّ على تفسيره