وذهب جماعة ، منهم المحقّق أبو القاسم ابن سعيد ، والعلاّمة ـ رحمهما الله تعالى ـ إلى أنّه لا يدلّ على الفور ، ولا على التراخي ، بل على مطلق الفعل ، وأيّهما حصل كان مجزيا. وهذا هو الأقوى.
لنا : نظير ما تقدّم في التكرار * ، من أنّ مدلول الأمر طلب حقيقة الفعل ،
__________________
المراد يبنى على مقتضاها فلا يخلو حاله عن ثمرتي الفور والتراخي.
وأمّا مع فقدها فلا مقرّ له من التوقّف في مقام الاجتهاد والأخذ بمقتضى الأصول العمليّة الّتي تقدّم تقريرها ، فإنّ حاله لا يخلو عن إحدى صور الدوران بين الفور والتراخي فيبنى على ما يساعده الأصل المقرّر في تلك الصورة.
وأمّا القول بالوقف فثمرته كثمرة القول بالاشتراك مع فقد البيان إن كان وقفا بين الفور والتراخي ، وإلاّ فإن كان وقفا بين الفور والماهيّة فثمرته كثمرة الفور والتراخي باحتماله الأوّل عند دوران الأمر بينهما ، وإن كان وقفا بين التكرار والماهيّة فلا ثمرة له إلاّ ما أشرنا إليه ممّا يظهر في مقام وجود ما يقضي بخلاف مقتضى اللفظ من إرادة الفور كما لا يخفى.
* وبالتأمّل فيما قرّرناه في شرح كلامه في الاستدلال على مختاره في بحث التكرار تعرف مفاد الاستدلال هنا ، مع فائدة قوله : « والفور والتراخي خارجان عنها » ومحصّله : أنّه استدلال بالتبادر وهو في محلّه ، فإنّه لا يشكّ أحد ممّن تأمّل في طريقة العرف والاستعمالات الجارية على لسانهم في أنّ صيغة « افعل » لو خلّيت وطبعها لا ينساق عنها إلاّ طلب ماهيّة الفعل المعرّاة عن الخصوصيّات المتعاورة عليها حسبما يقتضيه المقامات ، وأنّ الفور أو التراخي لا ينساق إلاّ بملاحظة امور خارجة عنها من مجاري العادات وغيرها من القرائن العامّة أو الخاصّة ، فلذلك ترى العرف كافّة لا يلتزمون في جلّ الأوامر بشيء من الفور والتراخي.
ومن هنا يتّفق الإختلاف في الإتيان بشيء واحد امتثالا عند تكرّر الأمر به ، فتارة يؤتى به فورا ، واخرى يؤتى به فيما بعد زمان الفور بفاصل قليل ، وثالثة في أواسط زمان التراخي ، ورابعة في أواخره ، وهكذا من غير ترتّب ذمّ ولا استحقاق عقاب ولا مخالفة غرض في شيء من تلك الإتيانات ، وليس ذلك إلاّ لصلاحيّة المدلول جميع تلك الوجوه ، فإنّ الفور أمر منضبط لا يقبل تلك الاختلافات ، والتراخي أمر خارج لا يلاحظ في شيء