التأخير وأن يكثر فيه وليس عليه إثم في شيء من ذلك ، ولا بالنسبة إليه ضيق ولا حجر ، فإن بادر في الامتثال أتى بالفعل في أفضل أفراده ، وإن أخّر فيه فإن تيسّر له بعد ذلك وأتى به خرج عن عهدة التكليف وفرّغ ذمّته عن الاشتغال ، سواء سبقه العلم أو الظنّ بالتيسّر أو لا ، وإن أصابه ما يوجب فواته لا شيء عليه من إثم ولا عقاب ، سواء كان مع العلم أو الظنّ بالتيسّر فانكشف الخلاف أولا معهما ، غير أنّهما على التقدير الأوّل يؤكّدان عدم ترتّب الاثم والعقاب ، ولا يلزم من ذلك خروج الواجب عن كونه واجبا ، إمّا لأنّ الواجب ما يستحقّ تاركه العقاب في الجملة ، وهو ما لو تركه لا إلى بدل ولا عن عذر ، والجهل بآخر أزمنة الإمكان يصلح عذرا كما لا يخفى ، والعلم والظنّ المفروضين في الصورة الاولى يؤكّدان ذلك الجهل ، أو لأنّ الموجب لاستحقاق العقاب في الواجب إنّما هو تركه على جهة العصيان والخروج عن طاعة السلطان ، كما أنّ الموجب له في الحرام إنّما هو فعل الحرام على تلك الجهة.
ومن البيّن انتفاء تلك الجهة في مفروض المقام.
نعم لو علم أو ظنّ بعدم التيسّر فاتّفقت المطابقة أثم بالتأخير واستحقّ العقاب بالترك ، لتحقّق ما هو مناط الاستحقاق بكلا وجهيه كما لا يخفى.
وإن اتّفق عدم المطابقة بمصادفة التيسّر بعدهما تعيّن عليه الفعل وخرج عن العهدة بأدائه وإن أثم بالتأخير ، أمّا الإثم فلمخالفته الحكم الظاهري وهو وجوب العمل بالعلم أو الظنّ حيثما حصلا بآخر أزمنة الإمكان الثابت بضرورة العقل وبناء العقلاء في الأوامر العرفيّة ـ بل الشرعيّة أيضا ـ وإجماع العلماء في خصوص الشرعيّة.
وأمّا الخروج عن العهدة فلعدم سقوط التكليف بمجرّد العلم أو الظنّ بعدم التيسّر ، لأنّهما في أمثال المقام ليسا بعين الواقع بل هما مرآة للواقع.
ومن البيّن أنّ الواقع لا يختلف بتخلّف المرآة عنه ولتفصيل أحكام صور المسألة موضع آخر يأتى إن شاء الله تعالى.
ولا يخفى أنّ بهذا التحقيق يرفع الإشكال بحذافيره ، ولا يلزم التكليف بالمحال على تقدير جواز التأخير في شيء من صوره حتّى على التقدير الأوّل من تقرير الإشكال ، فإنّ المنع عن التأخير عن آخر أزمنة الإمكان إنّما هو مع العلم أو الظنّ بالآخر لا مطلقا ، والمحذور إنّما يلزم في صورة الجهل لا مطلقا.