والرابع : من يعمل مثقال ذرّة خيرا أو شرّا يرى عمله في الآخرة ، أي يصل إليه صورة عمله ، فلو كان قد أعطى دينارا يعطى دينارا ، ولو كان قد لطم اليتيم فيلطم وهكذا.
ولا ريب أنّ أظهر الاحتمالات عرفا وأقربها ذوقا واعتبارا هو الاحتمال الأوّل ، فعليه تكون الآية بفقرتيها منافية لكلّ من الإحباط والتكفير ، فترجّح على ما يدلّ عليها لموافقتها الأصل وبناء الطائفة وأقلّه الشهرة.
مضافا إلى قصور ما دلّ على التكفير دلالة ، لما أشرنا إليه من كون الحسنات في الآية مفسّرة بالفرائض اليوميّة بحكم النصّ ، فإنّه إن لم يصلح قرينة مستقلّة على إرادة العهد من « اللام » فلا أقلّ من ايجابه الوهن في الدلالة.
وضعف ما دلّ على الإحباط سندا ودلالة ، لاحتمال أن يراد من العمل فيها عملا خاصّا كالحجّ الّذي رجعت منه ، مع ملاحظة ما وقع من التشاجر في تعارض الخبر الواحد مع الكتاب مع موافقتها لمذهب العامّة.
ولو سلّم التكافؤ من جميع الجهات فغايته التساقط ، ومعه يرجع إلى الأصل السليم عن المعارض.
فيجاب عن الاستدلال بالآية على وجوب بمنع الصغرى ، نظرا إلى بطلان مبناها وهو القول بالإحباط والتكفير ، لأنّ ما بني على الباطل باطل.
وأنت خبير بما في هذا التحقيق من أوّله إلى آخره من وجوه الفساد ، فإنّ المنقول من مذهب العامّة في الحبط والتكفير غير ما فسّرا به هنا.
قال بعض الفضلاء : « الحبط والتكفير بالمعنى الّذي قال به بعض المعتزلة وقام النصّ والإجماع على بطلانه هو إذهاب كلّ من الحسنة والسيّئة على قدر ما لها من المرتبة ضعفا وقوّة للاخرى مع ذهابها قدر إذهابها ، وهو غير المغفرة الّتي هي عبارة عن تجاوزه تعالى عن ذنوب العبد تفضّلا عليه بسبب إقدامه على الطاعة من غير حبط شيء من أعماله ، وغير الحبط الّذي هو إذهاب بعض الذنوب لجميع الحسنات أو بعضها من غير أن يذهب بذلك شيء من الذنب كالكفر والحسد ، فإنّ هذا لا يعتريه أثر الشكّ لدلالة الكتاب والسنّة عليه ».
ومثله ما في الهداية ، وفي كلام بعض الأفاضل بعد تحقيق أنّ فعل المأمور به سبب للمغفرة قال : « وذلك أيضا غير مقالة القائلين بالحبط والتكفير ، فإنّهم يقولون بموازنة الحسنات والسيّئات في الدنيا ويثبت للعامل أو عليه الفضل بينهما ، فعلى هذا يكون ميزان الأعمال