الأوّل : ظهور الإجماع كما ادّعى في المقام ، قال بعض الأفاضل : « وقد نصّ عليه جماعة من الخاصّة والعامّة من دون ظهور خلاف فيه » بل نصّ بالاتّفاق عليه جماعة منهم الفاضل الجواد ، والفاضل الصالح ، والآمدي والحاجبي.
والثاني : بناء العقلاء قاطبة على التضييق حينئذ الموجب لعدّ من أخّره اختيارا عاصيا ومتهاونا.
ألا ترى أنّ المولى إذا قال لعبده : « أكرم زيدا ويجوز لك التأخير إلى الغد » مثلا ، فاتّفق أنّ زيدا أخذ أن يسافر إلى البعيد بحيث أنّ العبد يظنّ أنّه لا يعود في الوقت المضروب على حسب الظاهر مع احتمال مرجوح عنده في عوده ، فإنّه لا يكاد يلتزم بالإكرام ولا يجوّز لنفسه التأخير حينئذ تعويلا على مجرّد احتمال المراجعة في الوقت وإن كان ذلك في أوّل زمان البدار ، بل ولو أخّره معلّلا بذلك الاحتمال لذمّه العقلاء وعدّ عاصيا ، ومثله ما لو أمره المولى بشراء اللحم كذلك واتّفق أنّه ظنّ فوات الشراء مع التأخير فتعمّد في التأخير حتّى لم يتمكّن من الإتيان به فإنّه عدّ عاصيا في نظر العقلاء ، مفوّتا لمطلوب مولاه.
والثالث : وجوب دفع الضرر المظنون عقلا وعرفا وشرعا ، ولا سيّما الضرر الاخروي ولا يتحصّل إلاّ بالمبادرة كما لا يخفى.
والرابع : أنّه لو أخّره مع ظنّه بعدم بقاء تمكّنه عن أدائه بعده فقد أقدم على تركه من حين التأخير فيستحقّ العقاب من حينه ، ولا نعني من الواجب المضيّق إلاّ ما أوجب تأخيره استحقاق العقاب.
وقد يتمسّك في المقام بوجه آخر ، وهو لزوم نقض غرض الشارع الحكيم لولا الضيق ، واللازم باطل وكذا الملزوم.
أمّا الملازمة : فلأنّه لولا هذا القسم موجبا للمبادرة لم يكن غيره أيضا موجبا لها ، أمّا في صورة العلم بالفوات فلعدم وقوعه في الخارج ، أو ندوره من جهة انسداد باب العلم رأسا أو غالبا.
وأمّا في الصور الثلاث الباقية فبطريق أولى ، وذلك مستلزم لعدم حصول المأمور به في الخارج غالبا.
وأمّا بطلان اللازم : فلأنّ غرض الشارع من تشريع الواجبات إنّما هو حصولها في الخارج ، وتجويز عدم حصولها في الغالب مناف لذلك الغرض وهو قبيح على الحكيم ،