فإنّ تبادر الإرادة من « الأمر » غير مسلّم ، وعلى فرض صحّته فهو تبادر ثانويّ نظير تبادر المداليل الالتزاميّة ، فلا اعتداد به في إثبات الوضع.
فصار المحقّق إنّ ما ذهب إليه الأشاعرة هو الأقرب إلى الصواب بل هو عين الصواب ، وإن كانوا قد أخطأوا أيضا في توهّم جواز التفكيك بين الإرادة والطلب على ما يرشد إليه احتجاجهم ، لما عرفت من أنّ رتبة الطلب متأخّرة عن رتبة الإرادة ، وهي مسبّبة عنها فلا يعقل انفكاكه عنها.
والمحكّي من احتجاجهم وجوه :
منها : أنّ الله تبارك وتعالى أمر الكافر بالإيمان ، ولم يرد منه.
أمّا المقدّمة الاولى فإجماعيّة ، وأمّا المقدّمة الثانية فلأنّه تعالى عالم بأنّه لا يؤمن فيستحيل صدور الإيمان منه ، وإلاّ لزم انقلاب علمه تعالى جهلا وهو محال ، وإذا استحال صدور الإيمان منه استحال أن يريد منه لكونه تكليفا بالمحال كما في التهذيب ، أو لأنّ الإرادة لا تتعلّق بالمحال كما في النهاية.
وأيضا وقوع الكفر منه لابدّ أن يستند إلى سبب ، وذلك السبب لابدّ من أن ينتهي إلى الواجب لئلاّ يلزم التسلسل ، وإيجاده تعالى ذلك السبب مع العلم بسببيّته يستلزم إرادة المسبّب فلا يجوز مع ذلك إرادة ضدّه لاستحالة إرادة الضدّين كاجتماعهما.
واجيب عنه : بمنع عدم إرادة الإيمان من الكافر ، وما ذكر من الوجهين لا يصلح سندا لذلك.
أمّا الأوّل : فلأنّ العلم تابع (١) والاستحالة نشأت من فرض العلم كما تنشأ من فرض
__________________
(١) ومحصّله : أنّ العلم في تعلّقه بمعلومه تابع لوقوع المعلوم أو كونه في معرض الوقوع لا أنّه مؤثّر فيه ، وشبهة استحالة الإيمان نشأت من فرض تعلّق علمه تعالى بعدم الايمان كما أنّها أيضا تنشأ من فرض وقوع نقيضه وهو عدم الإيمان في المحلّ ، إذ لا فرق في الاستحالة بين تعلّق علمه تعالى بعدم الإيمان وبين المعلوم وهو نفس عدم الإيمان ، فإنّ الإيمان مستحيل على كلا الفرضين.
لكن لمّا كان العلم تابعا للمعلوم تبيّن عدم دخل لعلمه تعالى فى تلك الاستحالة ، لاستنادها حينئذ إلى وقوع نفس المعلوم ، بناء على التمانع بين الأضداد الوجوديّة أو [ لعدم قابليّة المحلّ باشتماله على الشاغل ].
وهذا كما ترى لا يجدي نفعا في حسم مادّة الاستدلال لبقاء مجال السؤال بنحو ما تقدّم.
نعم لو قدّر التوجيه بأنّه لمّا كان العلم تابعا للمعلوم وهو تابع للإرادة الاختياريّة تبيّن عدم دخل علمه تعالى فى تلك الاستحالة ، وعدم كونها مانعة عن تعلّق الإرادة ولا عن صحّة التكليف ، لا ندفع السؤال أيضا لكن لا خفاء في قصور العبارة عن إفادة ذلك.