الآخرين ، ولا بأس بأن نشير إلى ما عليهما من الحجّة حسبما هو واقع في كلام القوم.
فأمّا حجّة القول الثالث : وإن لم تكن مذكورة في كتبهم كما أنّ أصل القول لم يصرّح به في عبائرهم ، غير أنّه على تقدير ثبوته في المقام لا مستند له إلاّ ما يستخرج من كلماتنا بالتأمّل ممّا يتركّب من ثلاث مقدّمات :
اولاها : اشتراط جواز التأخير الواقعي ببقاء التمكّن الواقعي.
والاخرى : خلوّ تلك الواقعة عن حكم ظاهري شرعي.
والثالثة : منع الملازمة بين العقل والشرع في الحكم بجواز التأخير.
وأنت خبير بأنّ الكلّ ـ مع كونها مصادرة ـ ممنوعة على مدّعيها ، وقد عرفت التفصيل فيه.
وأمّا حجّة القول الثاني : على ما حكى فعلى الأوّل من شقّيه وهو العصيان فيما وقته العمر ، أنّه : لو لم يعص لخرج الواجب عن كونه واجبا.
وعلى الثاني منهما وهو عدم العصيان في الموقّت إنّ التأخير كان جائزا له فلا يعصي بالتأخير.
لا يقال : شرط الجواز سلامة العاقبة ، إذ لا يمكن العلم بها فيؤدّي إلى التكليف بالمحال.
وعن شيخنا البهائي الإيراد عليه : بكونه تحكّما لكونهما من باب واحد واستجوده بعض الأعاظم ، وفصّل الفاضل المذكور سابقا هذا الإجمال بأنّ قضيّة كلّ من تعليليه فساد حكمه الآخر ، فإنّ لزوم خروج الواجب عن كونه واجبا لو صلح دليلا على العصيان في الأوّل لقضى به في الثاني أيضا ، وجواز التأخير لو نهض دليلا على عدم العصيان في الثاني لاقتضاه في الأوّل أيضا ، فالفرق تحكّم منه.
مضافا إلى ما يرد على ظاهر الأوّل من انّ عدم العصيان بتركه لعذر لا يقدح في الوجوب.
وعلى الثاني بأنّ جواز التأخير ليس تكليفا حتّى يلزم من تعليقه على ما لا يمكن العلم به التكليف بالمحال.
ولو تعلّق بأنّ تعليق الجواز على ما لا يمكن العلم به يوجب تعليق عدم الجواز أيضا على ما لا يمكن العلم به وهو تكليف قطعا.
لتوجّه عليه : أنّ ذلك إنّما يوجب التكليف بالمحال إذا تعيّن عليه التأخير ، وأمّا إذا جاز فلا لتمكّنه من الامتثال بالمبادرة ، والتكليف بالمحال إنّما يصدق حيث يستحيل الإمتثال ، ولو نزّل تعليله الأوّل على ما يراه الأشاعرة من جواز التكليف بالمحال ناقضة ما أجاب به عمّا أورد على تعليله الثاني.